تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التحريم مدنية وآياتها اثنتا عشرة ، نزلت بعد سورة الحجرات . وهي تسمى سورة النبي ، لأنها تعرض في أولها صفحة من الحياة في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصورة من الانفعالات الإنسانية بين بعض نسائه ، وبينهن وبينه ، وانعكاس هذه الانفعالات وما يترتب عليها في حياته صلى الله عليه وسلم ، وفي المجتمع الإسلامي آنذاك ، ثم في التوجيهات العامة للأمة على ضوء ذلك .

وقد مر معنا في سورة الحجرات وصف حجرات النبي ، وأنها كانت بسيطة جدا ، فهي من لبن وسقفها من الجريد ، وأبوابها ستائر من الخيش والشَعر .

وكانت حياته صلى الله عليه وسلم في بيته بسيطة غاية البساطة . وكما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : كان إذا خلا بنسائه ألينَ الناس ، وأكرم الناس ، ضحّاكا بسّاما . وكان يستمتع بنسائه ويمتعهن من ذات نفسه ، ومن فيض قلبه ، ومن حسن أدبه ، ومن كريم معاملته ، وكما تقول عائشة : كان في بيته في خدمة أهله .

فأما حياته المادية وحياة أزواجه فكانت في غالبها كفافا بعد أن افتُتحت له الفتوح وتبحبح المسلمون بالغنائم والفيء ، تقول السيدة عائشة : يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال ولا يوقد في بيت رسول الله نار .

وكان يقع بين نسائه بعض الشجار ، يغار بعضهن من بعض ، شأن بقية الناس . وكانت بعضهن تتآمر على غيرها من ضرائرها وهكذا . . .

والحادث الذي نزل بشأنه أول هذه السورة الكريمة واحد من تلك الأمثلة التي كانت تقع في حياة الرسول الكريم ، وفي حياة أزواجه . وقد وردت في ذلك عدة روايات لا مجال لذكرها ، لكنا سنذكر بعضها عند تفسير الآيات .

أشارت السورة الكريمة إلى أمر من هذه الأمور أغضب النبي صلى الله عليه وسلم من بعض زوجاته ، فامتنع عن بعض ما ترغب فيه النفوس مما أحله الله له ، وحذَّرَت زوجاته مغبّة ما أقدمن عليه . ثم انتقلت السورة إلى أمر المؤمنين أن يقوا أنفسهم وأهليهم نارا وقودها الناس والحجارة ، وبينت أنه لا يُقبل من الكافرين اعتذار يوم القيامة ، ودعت المؤمنين إلى التوبة ، كما دعت الرسول الكريم إلى جهاد الكفار والمنافقين والشدة معهم . ثم خُتمت سورة التحريم بضرب بعض الأمثلة : إن صلاح الأزواج لا يرد عذاب الله عن زوجاتهم المنحرفات ، وأن فساد الأزواج لا يضر الزوجات إن كن صالحات مستقيمات ، { كل نفس بما كسبت رهينة } . . .

تحرّم : تمتنع عن .

تبتغي : تطلب .

الحديث في هذه الآيات الكريمة عما كان يجري في بيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالرسول الكريم بشَرٌ يجري في بيته ما يكونُ في بيوت الناس ، من شِجارٍ بين أزواجه وغيرةٍ وما شابه ذلك .

وقد وردتْ رواياتٌ متعدّدة في سبب نزول الآيات ، من أصحُّها أنه شربَ عسلاً عند زينبَ بنتِ جحش ، فغارت عائشةُ وحفصةُ من ذلك . واتّفقتا أنّ أيّ واحدةٍ منهما دخلَ عليها النبي الكريم تقول له : إنّي أجِدُ منك ريحَ مغافير . ( والمغافيرُ صَمغٌ حلو له رائحةٌ كريهة ) .

وأولَ ما دخل على حفصةَ قالت له ذلك ، فقال لها : بل شربتُ عسلاً عند زينبَ بنتِ جحش ، ولن أعودَ له . وأُقسِم على ذلك ، فلا تُخبري بذلك أحدا .

فأخبرت حفصةُ بذلك عائشةَ وكانتا ، كما تقدّم ، متصافيتَين متفقتين . . . . فعاتبَ الله تعالى نبيَّه على تحريمِه ما أحلَّه الله له كي يُرضيَ بعضَ زوجاته .

وبعدَ عتابِه الرقيق وندائه : يا أيّها النبيّ . . . . قال تعالى { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التحريم

مدنية وآياتها اثنتا عشرة

{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم } وسبب نزولها ما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبيد الله بن إسماعيل ، حدثنا أبو أسامة عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء ويحب العسل ، وكان إذا صلى العصر دخل على نسائه فيدنو منهن ، فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس ، فسألت عن ذلك ، فقيل لي : أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها شربة ، فقلت : أما والله لنحتالن له ، فذكرت ذلك لسودة ، وقلت : إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له : يا رسول الله أكلت مغافير ؟ فإنه سيقول : لا ، فقولي له : ما هذه الريح وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح ، فإنه سيقول : سقتني حفصة شربة عسل ، فقولي له : يا رسول الله جرست نحله العرفط ، وسأقول ذلك وقوليه أنت يا صفية ، فلما دخل على سودة ، تقول سودة : والله الذي لا إله إلا هو لقد كدت أن أبادئه بالذي قلت لي وإنه لعلى الباب ، فرقاً منك ، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : يا رسول الله أكلت مغافير ؟ قال : لا ، قلت : فما بال هذه الريح ! قال : سقتني حفصة شربة عسل ، قالت : جرست نحلة العرفط ، فلما دخل علي قلت له مثل ذلك ، ودخل على صفية فقالت له مثل ذلك ، فلما دخل على حفصة قالت له : يا رسول الله ألا أسقيك منه قال : لا حاجة لي به ، قالت : تقول سودة : سبحان الله لقد حرمناه ، قالت : قلت لها اسكتي " .

وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحسن بن محمد الصباح ، حدثنا الحجاج عن ابن جريج قال : زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول " سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً فتواطيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها الرسول الله صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير ، أكلت مغافير ، فدخل على إحداهما فقالت له ذلك ، فقال : لا بأس شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له ، فنزلت : { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك } إلى قوله :{ إن تتوبا إلى الله } لعائشة وحفصة ، { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً } لقوله : بل شربت عسلاً " . وبهذا الإسناد قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا إبراهيم بن موسى ، أنبأنا هشام بن يوسف ، عن ابن جريح ، عن عطاء بإسناده وقال : قال : لا ، ولكن كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش فلن أعود له ، وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحداً ، يبتغي بذلك مرضاة أزواجه . وقال المفسرون : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ، فلما كان يوم حفصة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة أبيها فأذن لها ، فلما خرجت أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جاريته مارية القبطية فأدخلها بيت حفصة ، فوقع عليها فلما رجعت حفصة وجدت البابا مغلقاً ، فجلست عند الباب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يقطر عرقاً ، وحفصة تبكي فقال : ما يبكيك ؟ فقالت : إنما أذنت لي من أجل هذا ، أدخلت أمتك بيتي ، ثم وقعت عليها في يومي وعلى فراشي ، أما رأيت لي حرمة وحقاً ؟ ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليست هي جاريتي أحلها الله لي ؟ اسكتي فهي حرام علي ألتمس بذاك رضاك ، فلا تخبري بهذا امرأة منهن . فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعت حفصة الجدار التي بينها وبين عائشة فقالت : ألا أبشرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم عليه أمته مارية ، وقد أراحنا الله منها ، وأخبرت عائشة بما رأت ، وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضبت عائشة فلم تزل بنبي الله صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقربها ، فأنزل الله عز وجل :{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } يعني العسل ومارية { تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم } .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

مكية وهي اثنا عشر آية بلا خلاف

{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على حفصة في يوم نوبتها فخرجت هي لبعض شأنها فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مارية جاريته وأدخلها بيت حفصة وواقعها فلما رجعت حفصة علمت بذلك فغضبت وبكت وقالت أما لي حرمة عندك وحق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسكتي فهي حرام علي أبتغي بذلك رضاك وحلف أن لا يقربها وبشرها بأن الخليفة من بعده أبوها وأبو عائشة رضي الله عنهم أجمعين ذكورا واناثا وقال لها لا تخبري أحدا بما أسررت اليك من أمر الجارية وأمر الخلافة من بعدي فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندها أخبرت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها بذلك وقالت قد أراحنا الله من مارية فان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها على نفسه وقصت عليها القصة فنزل { لم تحرم ما أحل الله لك } أي الجارية { تبتغي } بتحريمها { مرضات أزواجك والله غفور رحيم } غفر لك ما فعلت من التحريم

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التحريم

مدنية وآياتها 12 نزلت بعد الحجرات

{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } في سبب نزولها روايتان أحدهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يوما إلى بيت زوجه حفصة بنت عمر بن الخطاب فوجدها قد مرت لزيارة أبيها فبعث إلى جاريته مارية فجامعها في البيت فجاءت حفصة فقالت يا رسول الله ما كان في نسائك أهون عليك مني أتفعل هذا في بيتي وعلى فراشي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مترضيا لها أيرضيك أن أحرمها قالت : نعم ، فقال : إني قد حرمتها ، والرواية الأخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على زوجه زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا : فاتفقت عائشة وحفصة وسودة بنت زمعة على أن تقول له من دنا منها أكلت مغافير والمغافير صمغ العرفط وهو حلو كريه الريح ففعلن ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ولكني شربت عسلا ، فقلن له جرست نحلة العرفط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أشربه أبدا وكان يكره أن توجد منه رائحة كريهة فدخل بعد ذلك على زينب فقالت ألا أسقيك من ذلك : فقال لا حاجة لي به ، فنزلت الآية عتابا له على أن يضيق على نفسه بتحريم الجارية أو تحريم العسل ، والرواية الأولى أشهر وعليها تكلم الناس في فقه السورة ، وقد خرج الرواية الثانية البخاري وغيره .

ولنتكلم على فقه التحريم ، فأما تحريم الطعام والمال وسائر الأشياء ما عدا النساء ، فلا يلزم ولا شيء عليه عند مالك ، وأوجب عليه أبو حنيفة الكفارة ، وأما تحريم الأمة فإن نوى به العتق لزم وإن لم ينو به ذلك لم يلزم وكان حكمه ما ذكرنا في الطعام ، وأما تحريم الزوجة فاختلف الناس فيه على أقوال كثيرة .

فقال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن عباس وعائشة وغيرهم : إنما يلزم فيه كفارة يمين وقال مالك : في المشهور عنه ثلاث تطليقات في المدخول بها وينوي في غير المدخول بها فيحكم بما نوى من طلقه أو اثنتين أو ثلاث ، وقال ابن الماجشون : هي ثلاث في الوجهين وروي : عن مالك أنها طلقة بائنة ، وقيل : طلقة رجعية .

{ تبتغي مرضات أزواجك } أي : تطلب رضا أزواجك بتحريم ما أحل الله لك يعني : تحريمه للجارية ابتغاء رضا حفصة ، وهذا يدل على أنها نزلت في تحريم الجارية وأما تحريم العسل فلم يقصد فيه رضا أزواجه وإنما تركه لرائحته .

{ والله غفور رحيم } في هذا إشارة إلى أن الله غفر له ما عاتبه عليه من التحريم على أن عتابه في ذلك إنما كان كرامة له وإنما وقع العتاب على تضييقه عليه السلام على نفسه وامتناعه مما كان له فيه أرب وبئس ما قال الزمخشري في أن هذا كان منه زلة لأنه حرم ما أحل الله وذلك قلة أدب على منصب النبوة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التحريم{[1]} تسمى سورة النبي صلى الله عليه وسلم .

مقصودها الحث على تقدير التدبير في الأدب مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم مع سائر العباد والندب إلى التخلق بالأدب{[2]} الشرعي وحسن المباشرة لا سيما [ للنساء-{[3]} ] اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في حسن عشرته وكريم صحبته وبيان أن الأدب الشرعي تارة يكون باللين والأناة ، وأخرى بالسوط وماداناه ومرة بالسيف وما والاه ، وكل من اسميها التحريم والنبي{[4]} صلى الله عليه وسلم موضح لذلك ( بسم الله ) الذي له الكمال كله على الدوام ( الرحمان ) الذي عم عاده بعظيم الإنعام ( الرحيم ) الذي أتم على خواصه{[5]} نعمة الإسلام .

لما ختم سبحانه الطلاق بإحاطة علمه{[66296]} وتنزل أمره بين الخافقين في تدبيره ، دل عليه أول هذه بإعلاء أمور الخلق بأمر{[66297]} وقع بين خير خلقه وبين نسائه اللاتي من خير النساء واجتهد{[66298]} كل في إخفاء ما تعلق به منه فأظهره سبحانه عتاباً لأزواج نبيه صلى الله عليه وسلم في صورة عقابه{[66299]} لأنه أبلغ رفقاً به لأنه يكاد{[66300]} من شفقته أن يبخع نفسه الشريفة رحمة لأمته تارة لطلب رضاهم وأخرى رغبة في هداهم ، لأنه صلى الله عليه وسلم بالغ في تهذيب أخلاقه مع ما طهره الله به من نزاهتها عن كل دنس حتى ضيق عليها{[66301]} بالامتناع عن بعض ما أبيح له حفظاً لخاطر الغير ، فقال تعالى منادياً له بأداة البعد وهو أقرب أهل الحضرة مع أنها معدة لما يكون ذا خطب جليل ومعنى جسيم جليل ، وفيها إيماء إلى تنبيه الغير وإسماعه إرادة لتأديبه وتزكيته وتهذيبه : { يا أيها النبي } مخاطبه {[66302]}بالوصف الذي يعلم{[66303]} بالعصمة ويلائمه{[66304]} أشد الملاءمة{[66305]} خلو البال وسرور القلب وانشراح الصدر لأنه للتلقي{[66306]} عن الله تعالى فيحث كل سامع على البعد عن{[66307]} كل ما يشوش عليه صلى الله عليه وسلم أدنى تشويش { لم تحرم } أي تفعل فعل المحرم{[66308]} بمنع نفسك الشريفة { ما أحل الله } أي الملك الذي لا أمر لأحد معه { لك } بالوعد {[66309]}لبعض أمهات{[66310]} المؤمنين رضي الله عنهن بالامتناع من شرب العسل الذي كان عند حفصة أو زينب رضي الله عنهما والامتناع من ملامسة سريتك مارية رضي الله تعالى عنها فتضيق على نفسك لإحسان العشرة مع نسائك رضي الله عنهن أجمعين ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب عسلاً عند حفصة بنت عمر أو زينب بنت جحش رضي الله عنهما على اختلاف الروايتين في ذلك في الصحيح{[66311]} ، وفي رواية " أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الغداة دخل على نسائه رضي الله عنهن امرأة امرأة ، وكانت قد أهديت{[66312]} لحفصة بنت عمر{[66313]} رضي الله عنهما عكة من العسل ، فكانت{[66314]} إذا دخل عليها فسلم{[66315]} حبسته{[66316]} وسقته منها ، وأن عائشة رضي الله عنها أنكرت{[66317]} احتباسه عندها فقالت لجويرية عندها حبشية يقال لها خضرة : إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفصة فادخلي عليها{[66318]} فانظري ماذا يصنع فأخبرتها الخبر فوصت صواحباتها فنفرنه من شربه بإخباره بأنه يوجد منه ريح كريهة لأن نحلة جرست العرفط ، فقال : لن أعود له ، " وروى الطبري{[66319]} و{[66320]}ابن مردوية " أنه صلى الله عليه وسلم خلا بمارية رضي الله عنها أم ولده إبراهيم عليه السلام في بيت حفصة رضي الله عنها فتوجعت من ذلك حفصة رضي الله عنها{[66321]} فقال هي علي{[66322]} حرام ولا تذكري ذلك{[66323]} لأحد وأبشرك على ذلك بشارة ، وهي أن أبا بكر يلي هذا الأمر من بعدي وأباك يليه من بعد أبي بكر رضي الله عنهما ، لا تخبري بذلك أحداً ، فأخبرت عائشة رضي الله عنها "

ويروى أن حفصة رضي الله عنها قالت في يومها من النبي صلى الله عليه وسلم : " إن بي إلى أبي حاجة نفقة لي{[66324]}- عنده فأذن لي أن أزوره وآتي بها ، فأذن لها فلما خرجت أرسل إلى جاريته مارية القبطية رضي الله عنها فوقع عليها فأتت حفصة فوجدت الباب{[66325]} مغلقاً فجلست عنده فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يقطر عرقاً وحفصة تبكي فقال لها : ما يبكيك ؟ فقالت{[66326]} : إنما أذنت لي{[66327]} من أجل هذا وقعت عليها في يومي وعلى فراشي ، أما رأيت لي{[66328]} حرمة وحقاً ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن ، فقال صلى الله عليه وسلم : أليس هي جاريتي قد أحلها الله لي اسكتي فهي {[66329]}علي حرام{[66330]} ألتمس بذاك رضاك فلا تخبري بهذا أحداً ، فلما خرج أخبرت عائشة رضي الله عنها فحلفته على ترك مارية رضي الله عنهن " ثم علل ذلك سبحانه بقوله : { تبتغي } أي{[66331]} تريد إرادة عظيمة من مكارم أخلاقك وحسن صحبتك { مرضات أزواجك } أي الأحوال والمواضع والأمور التي يرضين بها ومن أولى بأن{[66332]} تبتغين رضاك وكذا جميع الخلق لتفرغ لما يوحى إليك من ربك لكن ذلك للزوجات آكد .

ولما كان أعلى ما يقع به المنع من الأشياء من جهة العباد الإيمان ، وكان تعالى قد جعل من رحمته لعباده لإيمانهم كفارة قال : { والله } أي{[66333]} تفعل ذلك لرضاهن والحال أن الله الملك الأعلى { غفور رحيم * } أي محاء ستور لما يشق على خلص عباده مكرم لهم ،


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[66296]:- من ظ وم، وفي الأصل: علم.
[66297]:- في ظ وم: أمر.
[66298]:- من ظ وم، وفي الأصل: اجتهاد.
[66299]:- من ظ وم، وفي الأصل: عذابه.
[66300]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا يكاد.
[66301]:- زيد من ظ وم.
[66302]:- زيد من ظ وم.
[66303]:- وتكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[66304]:- من ظ وم، وفي الأصل: بملاءمة.
[66305]:- زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[66306]:- من ظ وم، وفي الأصل: لتلقى.
[66307]:- من ظ وم، وفي الأصل: على.
[66308]:- زيد من ظ وم.
[66309]:- من ظ وم، وفي الأصل: لأمهات.
[66310]:- من ظ وم، وفي الأصل: لأمهات.
[66311]:- راجع أبواب الطلاق.
[66312]:- من ظ وم، وفي الأصل: أهدت.
[66313]:- في الأصل بياض ملأناه من ظ وم.
[66314]:- من ظ وم، وفي الأصل: فكان.
[66315]:-زيد من ظ وم.
[66316]:- من ظ وم، وفي الأصل: احتبسته.
[66317]:- في الأصل بياض ملأناه من ظ وم.
[66318]:- من ظ وم، وفي الأصل: عليه.
[66319]:- راجع التفسير 28/سورة التحريم.
[66320]:-من ظ وم، وفي الأصل: من طريق.
[66321]:-زيد من ظ وم.
[66322]:-زيد من ظ وم.
[66323]:-زيد من ظ وم.
[66324]:-زيد من ظ وم.
[66325]:- في الأصل بياض ملأناه من ظ وم.
[66326]:- من ظ وم، وفي الأصل: فقال.
[66327]:- زيد من م.
[66328]:- زيد من ظ وم.
[66329]:- من ظ وم، وفي الأصل: حرام على.
[66330]:- من ظ وم، وفي الأصل: حرام على.
[66331]:- زيد من ظ وم.
[66332]:- في ظ وم، وفي الأصل: إن.
[66333]:- زيد في الأصل: المحيط بكل شيء علما وقدرة، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.