تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القمر مكية وآياتها خمس وخمسون ، نزلت بعد سورة الطارق . وهي كباقي السور المكية في معالجتها أصول الدين ، ولكن بطابع خاص ، وفي عرضها للموضوعات عرضا خاصا فيه التهديد والوعيد . وفيها حملة عنيفة على المكذبين بآيات القرآن المبين . وقد جاءت الآية الأولى من هذه السورة تنبه الأسماع إلى اقتراب القيامة ، وتحذّر الناس من أمرها ، ثم جاءت آيات بعدها توضح موقف الكفار من المعجزات ، وإصرارهم على التكذيب ، وتطلب على الرسول الكريم الإعراض عن المشركين وإمهالهم إلى يوم يخرجون فيه من قبورهم كأنهم جراد منتشر .

ثم تتابع الآيات بعد ذلك بالنذر والصبر ، وتعرض أطرافا من أحوال الأمم السابقة مثل قوم نوح ، وعاد وثمود ، وقوم لوط ، وفرعون وملئه ، والعذاب الذي حاق بهم . وبين كل قصة وأخرى تنبه الأذهان إلى أن القرآن الكريم ميسّر لمن يطلب العظة والاعتبار .

ثم تنتهي إلى بيان أن كفار مكة ليسوا أقوى ولا أشد من الأمم السابقة ، وأنه ليس لهم أمان من العذاب . ثم تُختتم السورة بتهديد المكذبين المعاندين بمصيرهم يوم يُسحبون إلى النار على وجوههم ، ويقال لهم : { ذوقوا مسّ سقر } ، وتبيّن مآل السعداء المتقين ، وأنهم في منازلهم في جنات النعيم . ويظهر الفرق بالمقارنة بين الفجار المعاندين ، والمؤمنين المتقين المصدقين : { إن المتقين في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر } .

يخبرنا الله تعالى باقترابِ يوم القيامة ، ونهايةِ الدنيا وانقضائها ، وأنّ الكونَ يختلُّ كثيرٌ من نظامه عند ذاك ، كما جاء في قوله تعالى : { إِذَا الشمس كُوِّرَتْ وَإِذَا النجوم انكدرت } [ التكوير : 1-2 ] ، والتكدُّر هو الانتثار ، فعبّر بالماضي ، وهنا التعبير جاء بالماضي ، وكما قال في آخر سورة النجم { أَزِفَتِ الآزفة } [ النجم : 57 ] .

وقد روى الإمام أحمد عن سهلِ بن سعد ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « بُعثتُ أنا والساعةُ هكذا ، وأشار بأصبعَيه السبّابةِ والوسطَى » .

وهنا يقول : اقتربت القيامة ، وسينشقُّ القمرُ لا محالة . وتشير الأبحاثُ الفلكية إلى أن القمر يدنو من الأرض ويستمرُّ بالدنوّ منها حتى يبلغَ درجةً يتمزقُ عندها ويصير قِطعاً كلّ واحدةٍ تدور في فلكها الخاص . وهذا طبعاً سيحدُث عند انتهاء هذه الحياةِ الدنيا ، ولا يعلم وقتَ ذلك إلا الله .

ويقول المفسّرون الأقدمون : إن انشقاق القمر قد حدَث فعلا ، ويرون عدة أحاديث أسندوها إلى أنس بن مالك وعبد الله بن عباس ، وجبير بن مطعم ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم . ويقول ابن كثير : قد كان هذا في زمان رسول الله كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة .

والروايةُ عن خمسة من الصحابة فقط فكيف تكون متواترة ؟ واللهُ أعلم .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القمر

مكية إلا الآيات 44 و45 و46 فمدنية وآياتها 55 نزلت بعد الطارق

{ اقتربت الساعة } أي : قربت القيامة ، ومعنى قربها : أنها بقي لها من الزمان قليل بالنسبة إلى ما مضى ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى " .

{ وانشق القمر } هذا إخبار بما جرى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن قريشا سألته آية فأراهم انشقاق القمر فقال صلى الله عليه وسلم : " اشهدوا " ، وقال ابن مسعود : انشق القمر فرأيته فرقتين فرقة وراء الجبل وأخرى دونه ، وقيل : معنى انشق القمر : أنه ينشق يوم القيامة ، وهذا قول باطل ترده الأحاديث الصحيحة الواردة بانشقاق القمر ، وقد اتفقت الأمة على وقوع ذلك وعلى تفسير الآية بذلك إلا من لا يعتبر قوله .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية وآياتها خمس وخمسون . وهي سورة عجيبة بفرط إيقاعها وحلاوة رنينها المثير . وهي فيها من عظيم المعاني وألوان التذكير ما يستنفر الحس ، ويثير المشاعر ، ويهيج القلب والوجدان .

والسورة بعجيب إيقاعها وروعة أجراسها وجمال ألفاظها ومقاطعها وخواتيم آياتها العجاب تثير البال وتستوقف الخاطر وتشده الحس شدها . ويأتي في طليعة ذلك كله حرف الراء . هذا الحرف الشجي النفاذ الذي يمس بجرسه الخيال والجنان فيهيج فيهما الإيناس والسكينة والحبور مما ليس له في الكلام نظير . إنه إيناس وسكينة وجمال لا يجده المتدبر في أنغام الملاهي وآلات الموسيقى المصنوعة . وذلك ضرب من ضروب الإعجاز في هذا الكاب الحكيم .

وقد تضمنت السورة من أخبار القيامة وأهوالها وشدائدها ما ينشر في الذهن والخيال ظلالا من الترويع والفزع .

إلى غير ذلك من أخبار الأمم السالفة التي طغت وفسقت عن مر الله فحق عليها القول من الله بالتدمير والاستئصال .

على أن السورة مبدوءة بخير مطلع وأكرم استهلال وذلك بالإخبار عن دنو الساعة وانشقاق القمر .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ اقتربت الساعة وانشق القمر 1 وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر 2 وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر 3 ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر 4 حكمة بالغة فما تغن النذر 5 فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر 6 خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر 7 مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر } .

يخبر الله عن دنو الساعة وأن وقوعها بات قريبا . وهو قوله سبحانه : { اقتربت الساعة وانشق القمر } وقد أخبرت السنة كذلك بدنو الساعة واقتراب أجلها . فقد روى الإمام أحمد عن سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بعثت أنا والساعة هكذا " وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى .

أما انشقاق القمر ، فهذه واحدة من المعجزات الحسية المنظورة التي تحقق وقوعها زمن النبوة ، ليستيقن المشركون ويعلموا أن النبي حق وأنه مبعوث إليهم من ربه . وفي ذلك روى الإمام أحمد عن جبير بن مطعم قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فريقين ، فرقة على هذا الجبل . فقالوا : سحرنا محمد . فقالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم .

وفي رواية عن عبد الله مسعود قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى فانشق القمر فأخذت فرقة خلف الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اشهدوا اشهدوا "

وروى البهيقي عن عبد الله بن مسعود قال : انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين فقال كفار قريش أهل مكة : هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة – يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم – انظروا السّفّار فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به . فسئل السفار وقد قدموا من كل جهة فقالوا : رأينا . وغير ذلك من الأخبار في انشقاق القمر كثير .