أسرفوا على أنفسهم : تجاوزا الحد فيما فعلوه من المعاصي .
إن هذه الآية الكريمة أعظم بشرى لنا نحن المؤمنين ، فهي دعوة صريحة من الله لنا إلى التوبة ، ووعدٌ بالعفو والصفح عن كل ذنبٍ مهما كبر وعظم . وقد ترك الله تعالى بابه مفتوحا للرجوع إليه أمام من يريد أن يكفّر عن سيئاته ، ويصلح ما أفسد من نفسه .
روى الإمام أحمد عن ثوبان مولى رسول الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أحبّ أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية : { قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ . } فقال رجل : يا رسول الله فمن أشرك ؟ فسكت الرسول الكريم ، ثم قال : أَلا ومن الشرك - ثلاث مرات » إلى أحاديث كثيرة كلها تبشر بسعة رحمة الله ، والبشرى بالمغفرة مهما جل الذنب وكبر ، ويا لها من بشرى . { إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً } صدق الله العظيم . { إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم } فمن أبى هذا التفضل العظيم ، والعطاء الجسيم ، وجعل يقنّط الناس ، وتزمّتَ مثل كثير من وعَاظ زماننا ، وبعض فئات المتدينين على جَهل ، فقد ركب أعظم الشطط ، فبشّروا أيها الناس ولا تنفروا ، ويسروا ولا تعسروا ، يرحمكم الله .
{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } قال علي بن أبي طالب وابن مسعود : هذه أرجى آية في القرآن ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية ) واختلف في سببها فقيل : نزلت في وحشي قاتل حمزة ، لما أراد أن يسلم وخاف أن لا يغفر له ما وقع فيه من قتل حمزة وقيل : نزلت في قوم آمنوا ولم يهاجروا ، ففتنوا فافتتنوا ثم ندموا وظنوا أنهم لا توبة لهم ، وهذا قول عمر بن الخطاب : وقد كتب بها إلى هشام بن العاصي ، لما جرى له ذلك وقيل : نزلت في قوم من أهل الجاهلية ، قالوا : ما ينفعنا الإسلام لأننا قد زنينا ، وقتلنا النفوس فنزلت الآية فيهم ومعناها مع ذلك على العموم في جميع الناس إلى يوم القيامة على تفصيل نذكره وذلك أن الذين أسرفوا على أنفسهم إن أراد بهم الكفار فقد اجتمعت الأمة على أنهم إذا أسلموا غفر لهم كفرهم وجميع ذنوبهم لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الإسلام يجب ما قبله ) ، وأنهم إن ماتوا على الكفر فإن الله لا يغفر لهم بل يخلدهم في النار وإن أراد به العصاة من المسلمين فإن العاصي إذا تاب غفر له ذنوبه ، وإن لم يتب فهو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له فالمغفرة المذكورة في هذه الآية ، يحتمل أن يريد بها المغفرة للكفار إذا أسلموا أو للعصاة إذا تابوا أو للعصاة وإن لم يتوبوا إذا تفضل الله عليهم بالمغفرة ، والظاهر أنها نزلت في الكفار وأن المغفرة المذكورة هي لهم إذا أسلموا والدليل على أنها في الكفار ما ذكر بعدها إلى قوله : { قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.