تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ} (4)

وهذه أكبرُ شهادة من عند ربّ العالمين ، وهل هناك أعظمُ من هذه الشهادة للرسول الأمين ، الذي طُبع على الحياء والكرم والشجاعة والصفْح والحِلم وكل خلُق كريم ! .

روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : « خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أفٍّ قطّ ، ولا قال لشيءٍ فعلتُه لِمَ فعلتَهُ ؟ ولا لشيء لم أفعلُه ألا فعلتَه ؟ » .

وروى الإمام أحمد عن عائشةَ رضي الله عنها قالت : «ما ضرب رسولُ الله بيدِه خادماً قطّ ولا ضرب امرأةً ، ولا ضرب بيدِه شيئا قط إلا أن يُجاهِد في سبيل الله ، ولا خُيِّر بين شيئين قطّ إلا كان أحبُّهما إليه أيسَرَهما . وكان أبعدَ الناس عن الإثم ، ولا انتقمَ لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتَهك حرماتُ الله » .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ} (4)

ولهذا قال : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } أي : عاليًا به ، مستعليًا بخلقك الذي من الله عليك به ، وحاصل خلقه العظيم ، ما فسرته به أم المؤمنين ، [ عائشة -رضي الله عنها- ] لمن سألها عنه ، فقالت : " كان خلقه القرآن " ، وذلك نحو قوله تعالى له : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } [ الآية ] ، { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالمْؤُمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق ، [ والآيات ] الحاثات على الخلق العظيم{[1188]}  فكان له منها أكملها وأجلها ، وهو في كل خصلة منها ، في الذروة العليا ، فكان صلى الله عليه وسلم سهلًا لينا ، قريبًا من الناس ، مجيبًا لدعوة من دعاه ، قاضيًا لحاجة من استقضاه ، جابرًا لقلب من سأله ، لا يحرمه ولا يرده خائبًا ، وإذا أراد أصحابه منه أمرًا وافقهم عليه ، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور ، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم ، بل يشاورهم ويؤامرهم ، وكان يقبل من محسنهم ، ويعفو عن مسيئهم ، ولم يكن يعاشر جليسًا له إلا أتمَّ عشرةٍ وأحسنَها ، فكان لا يعبس في وجهه ، ولا يغلظ عليه في مقاله ، ولا يطوي عنه بشره ، ولا يمسك عليه فلتات لسانه ، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة ، بل يحسن إلى عشيره غاية الإحسان ، ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم .

فلما أنزله الله في أعلى المنازل من جميع الوجوه ، وكان أعداؤه ينسبون إليه أنه مجنون مفتون .


[1188]:- في ب: على كل خلق جميل.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ} (4)

{ وإنك لعلى خلق عظيم } قال ابن عباس ومجاهد : دين عظيم لا دين أحب إلي ولا أرضى عندي منه ، وهو دين الإسلام . وقال الحسن : هو آداب القرآن . سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن . وقال قتادة : هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه من نهي الله ، والمعنى إنك لعلى الخلق الذي أمرك الله به في القرآن . وقيل : سمى الله خلقه عظيماً ، لأنه امتثل تأديب الله إياه بقوله : { خذ العفو }( الأعراف -199 ) الآية . وروينا عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق ، وتمام محاسن الأفعال " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله ، حدثنا إسحاق ابن منصور ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً ليس بالطويل البائن ولا بالقصير " .

أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعى ، أنبأنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : " خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، فما قال لي أف قط ، وما قال لشيء صنعته : لم صنعته ؟ ولا لشيء تركته : لم تركته ؟ وكان النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً ، ولا مسست خزاً قط ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا شممت مسكاً ولا عطراً كان أطيب من عرق النبي صلى الله عليه وسلم " .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أنبأنا عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرني ، حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عبد الله بن عمرو قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ، وكان يقول : خياركم أحاسنكم أخلاقا " .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أنبأنا أبو العباس الأصم ، حدثنا محمد بن هشام بن ملاس ، حدثنا مروان الفزاري ، حدثنا حميد الطويل ، عن أنس " أن امرأة عرضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة فقالت : يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال : يا أم فلان ، اجلسي في أي سكك المدينة شئت أجلس إليك ، قال : ففعلت فقعد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قضى حاجتها " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل قال : قال لي محمد بن عيسى ، حدثنا هشام ، أنبأنا حميد الطويل ، حدثنا أنس بن مالك قال : " إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا عمران بن زيد التعلبي ، عن زيد بن العمي عن أنس بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده ، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون هو الذي يصرف وجهه عن وجهه ، ولم ير مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له " .

أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد ، أنبأنا أبو القاسم الخزاعي ، أنبأنا الهثيم بن كليب ، حدثنا أبو عيسى ، حدثنا هرون بن إسحق الهمداني ، حدثنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : " ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ، ولا ضرب خادماً ولا امرأة " .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثني مالك بن إسحاق عن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس قال : " كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم في نحر الأعرابي ، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ضحك ، ثم أمر له بعطاء " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا علي المديني ، حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن يعلى بن مملك ، عن أم الدرداء تحدث عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أثقل شيء يوضع في ميزان المؤمن يوم القيامة خلق حسن ، وإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، أنبأنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا داود بن يزيد الأودي سمعت أبي يقول سمعت أبا هريرة يقول : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس النار ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان : الفرج والفم ، أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن أكثر ما يدخل الناس الجنة : تقوى الله وحسن الخلق " .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا محمد بن عبد الحكم ، أنبأنا أبي وشعيب قالا : حدثنا الليث عن ابن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد المطلب بن عبد الله عن عائشة ، قالت : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار " .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ} (4)

{ وإنك لعلى خلق عظيم } أي أنت على الخلق الذي أمرك الله به في القرآن .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ} (4)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : " وإنك لعلى خلق عظيم " قال ابن عباس ومجاهد : على خلق ، على دين عظيم من الأديان ، ليس دين أحب إلى الله تعالى ولا أرضى عنده منه . وفي صحيح مسلم عن عائشة : أن خلقه كان القرآن . وقال علي رضي الله عنه وعطية : هو أدب القرآن . وقيل : هو رفقه بأمته وإكرامه إياهم . وقال قتادة : هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه مما نهى الله عنه . وقيل : أي إنك على طبع كريم . الماوردي : وهو الظاهر . وحقيقة الخلق في اللغة : هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب يسمى خلقا ؛ لأنه يصير كالخلقة فيه . وأما ما طبع عليه من الأدب فهو الخِيم ( بالكسر ) : السجية والطبيعة ، لا واحد له من لفظه . وخيم : اسم جبل . فيكون الخلق الطبع المتكلف . والخيم الطبع الغريزي . وقد أوضح الأعشى ذلك في شعره فقال :

وإذا ذُو الفضول ضنَّ على المولى *** وعادت لخِيمِها الأخلاق

أي رجعت الأخلاق إلى طبائعها .

قلت : ما ذكرته عن عائشة في صحيح مسلم أصح الأقوال . وسئلت أيضا عن خلقه عليه السلام ، قرأت " قد أفلح المؤمنون{[15223]} " [ المؤمنون : 1 ] إلى عشر آيات ، وقالت : ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال لبيك ، ولذلك قال الله تعالى " وإنك لعلى خلق عظيم " . ولم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي صلى الله عليه وسلم منه الحظ الأوفر . وقال الجنيد : سمي خلقه عظيما ؛ أنه لم تكن له همة سوى الله تعالى . وقيل سمي خلقه عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه ، يدل عليه قوله عليه السلام : ( إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق ) . وقيل : لأنه امتثل تأديب الله تعالى إياه بقوله تعالى : " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين{[15224]} " [ الأعراف : 199 ] . وقد روي عنه عليه السلام أنه قال : ( أدبني ربي تأديبا حسنا إذ قال : " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " [ الأعراف : 199 ] فلما قبلت ذلك منه قال : " إنك لعلى خلق عظيم " .

الثانية- روى الترمذي عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) . قال حديث حسن صحيح . وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء ) . قال : حديث حسن صحيح . وعنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق ، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصلاة والصوم ) . قال : حديث غريب من هذا الوجه . وعن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ فقال : ( تقوى الله وحسن الخلق ) . وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ؟ فقال : ( الفم والفرج ) قال : هذا حديث صحيح غريب . وعن عبدالله بن المبارك أنه وصف حسن الخلق فقال : هو بسط الوجه ، وبذل المعروف ، وكف الأذى . وعن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا - قال - وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ) . قالوا : يا رسول الله ، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون{[15225]} ، فما المتفيهقون ؟ قال : ( المتكبرون ) . قال : وفي الباب عن أبي هريرة وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه{[15226]} .


[15223]:راجع جـ 12 ص 103.
[15224]:راجع جـ 7 ص 443.
[15225]:المتشدق: الذي يتطاول على الناس في الكلام ويبذو عليهم.
[15226]:زيادة عن صحيح الترمذي.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ} (4)

ولما ثبت بهذا العقل مع ما أفاده من الفضل ، وكان الذي يؤجر قد يكون في أدنى رتب العقل ، بين أنه صلى الله عليه وسلم في أعلاها بقوله مؤكداً لما مضى : { وإنك } وزاد في التأكيد لزيادتهم في المكابرة فقال : { لعلى خلق } ولما أفهم{[67369]} السياق التعظيم ، صرح به فقال : { عظيم * } وهو الإسلام الذي دعا إليه القرآن لا بالبلاء ينحرف ، ولا بالعطاء ينصرف{[67370]} ، لأن خلقه - بشهادة أعرف الناس به زوجه أم المؤمنين الصديقة عائشة بنت الصديق ، أبي بكر رضي الله عنهما - القرآن ، فلا يتحرك ولا يسكن إلا بأمره ونهيه ، فهذا الخلق نتيجة الهدى والهدى نتيجة العقل ، وهو سبب السعادة ، فأفهم ذلك عدم{[67371]} سعادتهم لعدم عقولهم ، و{[67372]}قال الواسطي : أظهر الله قدرته في عيسى عليه الصلاة السلام ونفاذه في آصف ، وسخطه وقهره في عصى موسى عليه الصلاة والسلام ، وأطهر أخلاقه ونعوته في محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان متخلقاً بأخلاق الله تعالى ، والتخلق بأخلاقه أن ينزه علمه عن الجهل وجوده عن البخل وعدله عن الظلم وحلمه عن السفه ، واعلم أن الخلق والخلق صورتان : الخلق صورة الظاهر ، والخلق صورة الباطن ؛ فتناسب{[67373]} الأعضاء الظاهرة يعبر به عن الخلق الحسن ، وتناسب المعاني الباطنة يعبر به عن الخلق الحسن ، ثم الخلق الحسن تارة مع الله ، وتارة مع حكم الله ، وتارة مع الخلق ، فمع الله بالتعظيم والإجلال ، ومع حكمه {[67374]}بالصبر{[67375]} في الضراء والبأساء{[67376]} والشكر في الرخاء والامتثال للأوامر والانزجار عن النواهي عن طيب قلب مسارعة وسماحة ، وحسن الخلق مع الخلق بث النصفة في المعاملة وحسن المجاملة في العشرة{[67377]} ، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه{[67378]} قال :

" الخلق وعاء الدين ، لأن من الخلق يخرج الدين ، وهو الخضوع والخشوع وبذل النفس لله واحتمال المكروه " .

ولما كان الإسلام أشرف الأديان ، أعطاه الله تعالى أقوى الأخلاق وأشرفها وهو الحياء ، كما روي أن لكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء ، ومن الحياء حياة القلب ، فكان صلى الله عليه وسلم يأخذ العفو{[67379]} ويأمر بالعرف{[67380]} ويعرض عن الجاهلين ولا يجزي {[67381]}بالسيئة السيئة{[67382]} لكن يعفو ويصفح ويحسن مع ذلك ، ويجذب{[67383]} بردته حتى يؤثر في عنقه فيلتفت وهو يضحك ويقضي حاجة الجاذب{[67384]} ويحسن إليه ، فقد اشتمل الكلام التدبيري المشار إليه بالنون والقضاء الكلي التأثيري{[67385]} المشار إليه بالقلم والقدر المبرم التفصيلي الواقع على وقف القضاء المشار إليه بالسطر ، ومثال ذلك أن{[67386]} من أراد بناء دولاب احتاج أولاً{[67387]} إلى مهندس يدبر له بعلمه موضع {[67388]}البئر والمدار{[67389]} وموضع المحلة{[67390]} وموضع السهم وموضع الجداول ونحو ذلك ، وهو الحكم التدبيري{[67391]} ، وثانياً إلى صانع يحفر البئر ويبني ونجار يركب الأخشاب على وفق حكمة المهندس ، وهو القضاء التأثيري ، وثالثاً إلى إقامة الثور في موضعه ، ودوران المحلة بما عليها من القواديس ، وجري الماء في الجداول على وفق القضاء وهو القدر ، ويحتاج رابعاً وخامساً إلى بيان انقسام المقدر له إلى شقي وسعيد ، فالحكم باطن وهو سر من أسراره سبحانه وتعالى - {[67392]}سبحان من لا يعلم قدره غيره{[67393]} .


[67369]:- زيد في الأصل: في، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67370]:- من ظ وم، وفي الأصل: المعرف.
[67371]:- من ظ وم، وفي الأصل: بسبب عداوتهم.
[67372]:-زيد من ظ وم.
[67373]:- من ظ وم، وفي الأصل: فناسب.
[67374]:- من ظ وم، وفي الأصل: حكم الله.
[67375]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالبأساء والضراء.
[67376]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالبأساء والضراء.
[67377]:- زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[67378]:- زيدت من ظ وم.
[67379]:- من ظ وم، وفي الأصل: العرف.
[67380]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالمعروف.
[67381]:- من ظ وم، وفي الأصل: السيئة بالسيئة.
[67382]:-من ظ وم، وفي الأصل: السيئة بالسيئة.
[67383]:- من ظ وم، وفي الأصل: يحمل.
[67384]:- من ظ وم، وفي الأصل: الحاجب.
[67385]:- من م، وفي الأصل وظ: التأثير.
[67386]:- في ظ وم: بأن.
[67387]:-زيدت من ظ وم.
[67388]:- من ظ وم، وفي الأصل: المدار والبئر.
[67389]:- من ظ وم، وفي الأصل: المدار والبئر.
[67390]:- من ظ وم، وفي الأصل: القلة.
[67391]:- زيد في الأصل: وتحتاج، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67392]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[67393]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.