نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ} (4)

ولما ثبت بهذا العقل مع ما أفاده من الفضل ، وكان الذي يؤجر قد يكون في أدنى رتب العقل ، بين أنه صلى الله عليه وسلم في أعلاها بقوله مؤكداً لما مضى : { وإنك } وزاد في التأكيد لزيادتهم في المكابرة فقال : { لعلى خلق } ولما أفهم{[67369]} السياق التعظيم ، صرح به فقال : { عظيم * } وهو الإسلام الذي دعا إليه القرآن لا بالبلاء ينحرف ، ولا بالعطاء ينصرف{[67370]} ، لأن خلقه - بشهادة أعرف الناس به زوجه أم المؤمنين الصديقة عائشة بنت الصديق ، أبي بكر رضي الله عنهما - القرآن ، فلا يتحرك ولا يسكن إلا بأمره ونهيه ، فهذا الخلق نتيجة الهدى والهدى نتيجة العقل ، وهو سبب السعادة ، فأفهم ذلك عدم{[67371]} سعادتهم لعدم عقولهم ، و{[67372]}قال الواسطي : أظهر الله قدرته في عيسى عليه الصلاة السلام ونفاذه في آصف ، وسخطه وقهره في عصى موسى عليه الصلاة والسلام ، وأطهر أخلاقه ونعوته في محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان متخلقاً بأخلاق الله تعالى ، والتخلق بأخلاقه أن ينزه علمه عن الجهل وجوده عن البخل وعدله عن الظلم وحلمه عن السفه ، واعلم أن الخلق والخلق صورتان : الخلق صورة الظاهر ، والخلق صورة الباطن ؛ فتناسب{[67373]} الأعضاء الظاهرة يعبر به عن الخلق الحسن ، وتناسب المعاني الباطنة يعبر به عن الخلق الحسن ، ثم الخلق الحسن تارة مع الله ، وتارة مع حكم الله ، وتارة مع الخلق ، فمع الله بالتعظيم والإجلال ، ومع حكمه {[67374]}بالصبر{[67375]} في الضراء والبأساء{[67376]} والشكر في الرخاء والامتثال للأوامر والانزجار عن النواهي عن طيب قلب مسارعة وسماحة ، وحسن الخلق مع الخلق بث النصفة في المعاملة وحسن المجاملة في العشرة{[67377]} ، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه{[67378]} قال :

" الخلق وعاء الدين ، لأن من الخلق يخرج الدين ، وهو الخضوع والخشوع وبذل النفس لله واحتمال المكروه " .

ولما كان الإسلام أشرف الأديان ، أعطاه الله تعالى أقوى الأخلاق وأشرفها وهو الحياء ، كما روي أن لكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء ، ومن الحياء حياة القلب ، فكان صلى الله عليه وسلم يأخذ العفو{[67379]} ويأمر بالعرف{[67380]} ويعرض عن الجاهلين ولا يجزي {[67381]}بالسيئة السيئة{[67382]} لكن يعفو ويصفح ويحسن مع ذلك ، ويجذب{[67383]} بردته حتى يؤثر في عنقه فيلتفت وهو يضحك ويقضي حاجة الجاذب{[67384]} ويحسن إليه ، فقد اشتمل الكلام التدبيري المشار إليه بالنون والقضاء الكلي التأثيري{[67385]} المشار إليه بالقلم والقدر المبرم التفصيلي الواقع على وقف القضاء المشار إليه بالسطر ، ومثال ذلك أن{[67386]} من أراد بناء دولاب احتاج أولاً{[67387]} إلى مهندس يدبر له بعلمه موضع {[67388]}البئر والمدار{[67389]} وموضع المحلة{[67390]} وموضع السهم وموضع الجداول ونحو ذلك ، وهو الحكم التدبيري{[67391]} ، وثانياً إلى صانع يحفر البئر ويبني ونجار يركب الأخشاب على وفق حكمة المهندس ، وهو القضاء التأثيري ، وثالثاً إلى إقامة الثور في موضعه ، ودوران المحلة بما عليها من القواديس ، وجري الماء في الجداول على وفق القضاء وهو القدر ، ويحتاج رابعاً وخامساً إلى بيان انقسام المقدر له إلى شقي وسعيد ، فالحكم باطن وهو سر من أسراره سبحانه وتعالى - {[67392]}سبحان من لا يعلم قدره غيره{[67393]} .


[67369]:- زيد في الأصل: في، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67370]:- من ظ وم، وفي الأصل: المعرف.
[67371]:- من ظ وم، وفي الأصل: بسبب عداوتهم.
[67372]:-زيد من ظ وم.
[67373]:- من ظ وم، وفي الأصل: فناسب.
[67374]:- من ظ وم، وفي الأصل: حكم الله.
[67375]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالبأساء والضراء.
[67376]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالبأساء والضراء.
[67377]:- زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[67378]:- زيدت من ظ وم.
[67379]:- من ظ وم، وفي الأصل: العرف.
[67380]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالمعروف.
[67381]:- من ظ وم، وفي الأصل: السيئة بالسيئة.
[67382]:-من ظ وم، وفي الأصل: السيئة بالسيئة.
[67383]:- من ظ وم، وفي الأصل: يحمل.
[67384]:- من ظ وم، وفي الأصل: الحاجب.
[67385]:- من م، وفي الأصل وظ: التأثير.
[67386]:- في ظ وم: بأن.
[67387]:-زيدت من ظ وم.
[67388]:- من ظ وم، وفي الأصل: المدار والبئر.
[67389]:- من ظ وم، وفي الأصل: المدار والبئر.
[67390]:- من ظ وم، وفي الأصل: القلة.
[67391]:- زيد في الأصل: وتحتاج، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67392]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[67393]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.