لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ} (4)

قوله جلّ ذكره : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .

كما عرَّفَه اللَّهُ سبحانه أخبارَ مَنْ قبْلَه من الأنبياء ، عرَّفه أنه اجتمعت فيه متفرقاتُ أخلاقهم فقال له : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .

ويقال : إنه عَرَضَ عليه مفاتيحَ الأرضِ فلم يقبلْها ، ورقّاه ليلةَ المعراج ، وأراه جميع المملكة والجنة فلم يلتفت إليها ، قال تعالى : { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } [ النجم : 17 ] فما التفت يميناً ولا شمالاً ، ولهذا قال تعالى : { وَإِنٍَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } . . . ويقال : { على خلق عظيم } : لا بالبلاءِ تنحرف ، ولا بالعطاءِ تنصِرف ؛ احتمل صلوات الله عليه في الأذى شَجَّ رأسِه وثَغْرِه ، وكان يقول :

" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " . وغداً كلٌّ يقول : نفسي نفسي وهو صلوات الله عليه يقول : " أمتي أمتي " .

ويقال : عَلّمه محاسنَ الأخلاق بقوله : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلينَ } .

سأل صلواتُ الله عليه جبريل : " بماذا يأمرني ربي ؟ قال : يأمرك بمحاسن الأخلاق ؛ يقول لك : صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وأعْطِ مَنْ حَرَمك واعفٌ عَمَّن ظَلَمَك " ، فتأدَّبَ بهذا ؛ فأثنى عليه وقال : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .