الصفة الثالثة : قوله : { وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .
قال ابن عباس ومجاهدٌ : «على خُلقٍ » على دين عظيمٍ من الأديان ، ليس دين أحب إلى الله ، ولا أرضى عنده منه{[57528]} .
وروى مسلم عن عائشة : أن خلقه كان القرآن{[57529]} .
وقال علي - رضي الله عنه - : هو أدب القرآن{[57530]} .
وقيل : رفقه بأمته ، وإكرامه إياهم .
وقال قتادة : هو ما كان يأتمر به من أمر اللَّهِ ، وينتهي عنه مما نهى الله عنه{[57531]} .
وقال الماوردي{[57532]} : حقِيقَةُ الخُلقِ في اللُّغةِ ما يأخذُ بِهِ الإنسانُ في نفْسِهِ من الأدبِ يُسَمَّى خُلُقاً ، لأنَّه يصير كالخلقة فيه ، فأما ما طُبع عليه من الأدبِ فهو الخِيمُ ، فيكون الخلق : الطبع المتكلف ، والخِيم : الطبع الغريزي .
قال القرطبي{[57533]} : «ما ذكره مسلم{[57534]} في صحيحه عن عائشة أصح الأقوالِ ، وسئلت أيضاً عن خلقه - عليه الصلاة والسلام - فقرأت { قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون } [ المؤمنون : 1 ] إلى عشر آياتٍ »{[57535]} .
قال ابن الخطيب{[57536]} : وهذا إشارة إلى أن نفسه القدسية كانت بالطبع منجذبة إلى عالم الغيبِ وإلى كل ما يتعلق بها ، وكانت شديدة النفرة من اللذات البدنية ، والسعادات الدنيوية ، بالطبع ومقتضى الفطرة ، وقالت : مَا كَانَ أحدٌ أحْسنَ خُلُقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما دعاه أحدٌ من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال : لبيك ، ولذلك قال الله تعالى { وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } ولم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي الحظ الأوفر .
وقال الجنيد : سمى خلقه عظيماً لاجتماع مكارم الأخلاق فيه ، بدليل قوله - عليه الصلاة والسلام - : «إنَّ اللَّه بَعَثنِي لأتمِّمَ مكارِمَ الأخْلاق »{[57537]} .
قال ابن الخطيب{[57538]} : قوله : { وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } كالتفسير لما تقدم من قوله تعالى : { بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } وتعريف لمن رماه بالجنون بأن ذلك كذب وخطأ ؛ لأن الأخلاق الحميدة والأفعال المرضية كانت ظاهرة منه ، وإذا كان موصوفاً بتلك الأخلاق والأفعال ، لم يجز إضافة الجنون إليه ؛ لأن أخلاق المجانين سيئة ، ولما كانت أخلاقه الحميدة صلى الله عليه وسلم كاملة ، لا جرم وصفها الله بأنها عظيمة ، ولهذا قال :{ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَا مِنَ المتكلفين }[ ص : 86 ] أي : لست مكلفاً فيما يظهر لكم من الأخلاق ، لأنه تعالى قال : { أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده }[ الأنعام : 90 ] فهذا الهدي الذي أمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالاقتداءِ به ليس هو معرفة الله تعالى ؛ لأن ذلك تقليداً ، وهو غير لائق بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس هو الشرائع ؛ لأن شريعته كشرائعهم ، فتعين أن يكون المراد منه أمره صلى الله عليه وسلم بأن يقتدي بكل واحد من الأنبياء فيما اختص به من الخلقِ الكريمِ ، وكان كل واحد منهم مختصاً بنوع واحدٍ ، فلما أمر محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يقتدي بالكل ، فكأنه أمر بمجموع ما كان متفرقاً فيهم ، ولما كان ذلك درجة عالية لم تتيسر لأحدٍ من الأنبياء قبله - لا جرم - وصف الله خلقه بأنه عظيم ، وكلمة «عَلَى » للاستعلاءِ فدل اللفظ على أنه مستعل على هذه الأخلاقِ ، ومستول عليها ، وأنه بالنسبة إلى هذه الأخلاق الحميدة كالمولى بالنسبة إلى العبد ، وكالأمير بالنسبة إلى المأمور .
وقد ورد أحاديث كثيرةٌ صحيحةٌ في مدح الخلق الحسن ، وذم الخلق السيئ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.