لتكون آية للمؤمنين : وذلك علامة صدق الرسول الكريم ، وحياطة من الله لرسوله وللمؤمنين ، وليوقنَ المؤمنون الذين سيأتون أن رعايته تعالى ستعمُّهم أيضاً ما داموا على التقوى والصلاح .
ثم بين الله أن ما آتاهم من الفتح والمغانم ليس هو الثواب وحده ، بل سيأتيهم جزاء أكبر . . وإنما عجّل لكم هذه لتكون آية على صدق رسوله الكريم وحياطته له ، وحراسته للمؤمنين وليثبتكم على الإسلام ، وليزيدكم بصيرة .
{ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } وهذا يشمل كل غنيمة غنمها المسلمين إلى يوم القيامة ، { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } أي : غنيمة خيبر أي : فلا تحسبوها وحدها ، بل ثم شيء كثير من الغنائم سيتبعها ، { و } احمدوا الله إذ { كف أَيْدِي النَّاسِ } القادرين على قتالكم ، الحريصين عليه { عَنْكُمْ } فهي نعمة ، وتخفيف عنكم .
{ وَلِتَكُونَ } هذه الغنيمة { آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } يستدلون بها على خبر الله الصادق ، ووعده الحق ، وثوابه للمؤمنين ، وأن الذي قدرها سيقدر غيرها ، { وَيَهْدِيَكُمْ } بما يقيض لكم من الأسباب { صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } من العلم والإيمان والعمل .
ولما قرب ذلك وتأكد وتحرر وتقرر ، أقبل سبحانه وتعالى عليهم بالخطاب تأكيداً لمسامعهم فقال مزيلاً لكل احتمال يتردد في خواطر المخلفين{[60370]} : { وعدكم الله } أي الملك الأعظم { مغانم } وحقق معناها بقوله : { كثيرة تأخذونها } أي فيما يأتي من بلدان شتى لا تدخل تحت حصر ، ثم سبب عن هذا الوعد قوله : { فعجل لكم } أي منها { هذه } أي القضية التي أوقعها بينكم وبين قريش من وضع الحرب عشر سنين ، ومن أنكم تأتون في العام المقبل في مثل هذا الشهر{[60371]} معتمرين فإنها سبب ذلك كله ، عزاه أبو حيان{[60372]} لابن{[60373]} عباس رضي الله عنهما وهو في غاية الظهور ، ويمكن أن يكون المعنى : التي فتحها عليكم من خيبر من سبيها وأموالها المنقولات وغيرها { وكف أيدي الناس } أي من أهل خيبر وحلفائهم أسد وغطفان أن يعينوا أهل خيبر أو يغيروا على عيالاتكم{[60374]} بعد ما وهموا بذلك بعد ما كف أيدي قريش ومن دخل في عهدهم بالصلح { عنكم } على ما أنتم فيه من القلة والضعف .
ولما كان التقدير : رحمة لكم على طاعتكم لله ورسوله وجزاء لتقوى أيديكم ، وتروا أسباب الفتح القريبة بما يدخل من الناس في دينكم عند المخاطبة بسبب الإيمان ، عطف عليه قوله : { ولتكون } أي هذه الأسباب من الفتح والإسلام { آية } أي علامة هي في غاية الوضوح { للمؤمنين } أي منكم على دخول المسجد الحرام{[60375]} آمنين في العمرة{[60376]} ثم في الفتح ومنكم ومن غيركم من الراسخين في الإيمان إلى يوم القيامة على جميع ما يخبر الله به على ما وقع التدريب عليه في هذا التدبير الذي دبره لكم من أنه لطيف يوصل إلى الأشياء العظيمة بأضداد أسبابها فيما يرى الناس فلا يرتاع مؤمن لكثرة المخالفين وقوة المنابذين أبداً ، فإن سبب كون الله مع العبد هو الاتباع بالإحسان الذي عماده الرسوخ في الإيمان الذي علق الحكم به ، فحيث ما وجد عليه وجد المعلق وهو النصر بأسباب جلية أو خفية { ويهديكم } في نحو هذا الأمر الذي دهمكم فأزعجكم بالثبات عند سماع الموعد والوعيد والثقة بمضمونه لأنه قادر حكيم ، فهو لا يخلف الميعاد بأن يهديكم { صراطاً مستقيماً } أي طريقاً واسعاً واضحاً موصلاً إلى الكرامة من غير شك ، وهذا من أعلام النبوة فإنه {[60377]}لم يزغ أحد{[60378]} من المخاطبين بهذه الآية وهم أهل الحديبية وكأنه-{[60379]} والله أعلم لذلك لم يقل : ويهديهم{[60380]} - بالغيب على ما اقتضاه السياق لئلا يغم غيرهم ممن يظهر صدقه في الإيمان ثم يزيغ ، ولذا أكثر تفاصيل هذه السورة من أعلام النبوة ، فإنه وقع الإخبار به قبل وقوعه .
{ وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما }
{ وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها } من الفتوحات { فعجَّل لكم هذه } غنيمة خيبر { وكفَّ أيدي الناس عنكم } في عيالكم لما خرجتم وهمت بهم اليهود فقذف الله في قلوبهم الرعب { ولتكون } أي المعجلة عطف على مقدر ، أي لتشكروه { آية للمؤمنين } في نصرهم { ويهديكم صراطاً مستقيماً } أي طريق التوكل عليه وتفويض الأمر إليه تعالى .
قوله تعالى : { وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما 20 وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا 21 ولو قاتلكم الذين كفروا لولّوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا 22 سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا 23 وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا } .
المغانم الكثيرة وعد الله المؤمنين بأخذها هي المغانم التي تكون إلى يوم القيامة . وهو قول ابن عباس .
قوله : { فعجل لكم هذه } أي عجل لكم فتح خيبر قبل أن تظفروا بفتح مكة . وقيل : المراد صلح الحديبية .
قوله : { وكف أيدي الناس عنكم } المراد بالناس هنا أهل مكة ، فقد كفهم الله عن المسلمين بالصلح . وقيل : كف أيدي المشركين واليهود عن أهليكم وعيالكم الذين خلفتموهم وراء ظهوركم .
قوله : { ولتكون آية للمؤمنين } أي ليكون كفه أيدي الكافرين عن عيال المسلمين وأهليهم الذين خلفوهم وراء ظهورهم في المدينة ، ورعاية الله لهم من كل أذى ومكروه ، آية وعبرة للمؤمنين فيوقنوا أن الله هو الذي يدفع عنهم الشرور والمكاره وأنه الذي يحوطهم بكلاءته ورعايته . فهو سبحانه الحافظ لعباده المؤمنين أن تنال منهم مكائد المجرمين من أعداء الله والدين .
قوله : { ويهديكم صراطا مستقيما } أي ويرشدكم إلى طريق الحق والسداد . طريق الله المستقيم الذي لا زيغ فيه ولا عوج .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.