من قبل أن تمسّوهن : من قبل أن تدخلوا بهن .
فمتِّعوهن : أعطوهن ما يخرج من نفوسكم من المال لتطيب به نفوسهن .
ثم يبين تشريعاً مهماً لحفظ الأُسرة ، وكرامة المرأة وحفظ حقوقها بقوله : { يا أيها الذين آمنوا إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } :
الأول : إذا عقدتم عقدكم على امرأة ثم لم يحصَل وِفاق وطلقتموها قبل الدخول فليس عليها عِدّة .
الثاني : على المطلّق أن يمّتعِ المطلقةَ بشيء من المال حسب قُدرته حتى يطيبَ خاطرُها وليكون في ذلك بعضُ السلوة لها عما لحِق بها من أذى الطلاق .
{ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } .
سبق في سورة البقرة نفس الموضوع في قوله تعالى : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النسآء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ . . . . . } [ الآية : 236 و 237 ] .
قرأ حمزة والكسائي : { من قبل أن تُماسّوهن } بضم التاء وألف بعدها ، الباقون : { تمسوهن } بفتح التاء من غير ألف بعدها .
{ 49 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا }
يخبر تعالى المؤمنين ، أنهم إذا نكحوا المؤمنات ، ثم طلقوهن من قبل أن يمسوهن ، فليس عليهن في ذلك ، عدة يعتدها{[711]} أزواجهن عليهن ، وأمرهم بتمتيعهن{[712]} بهذه الحالة ، بشيء من متاع الدنيا ، الذي يكون فيه جبر لخواطرهن ، لأجل فراقهن ، وأن يفارقوهن فراقًا جميلاً ، من غير مخاصمة ، ولا مشاتمة ، ولا مطالبة ، ولا غير ذلك .
ويستدل بهذه الآية ، على أن الطلاق ، لا يكون إلا بعد النكاح . فلو طلقها قبل أن ينكحها ، أو علق طلاقها على نكاحها ، لم يقع ، لقوله : { إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } فجعل الطلاق بعد النكاح ، فدل على أنه قبل ذلك ، لا محل له .
وإذا كان الطلاق الذي هو فرقة تامة ، وتحريم تام ، لا يقع قبل النكاح ، فالتحريم الناقص ، لظهار ، أو إيلاء ونحوه ، من باب أولى وأحرى ، أن لا يقع قبل النكاح ، كما هو أصح قَوْلي العلماء .
ويدل على جواز الطلاق ، لأن اللّه أخبر به عن المؤمنين ، على وجه لم يلمهم عليه ، ولم يؤنبهم ، مع تصدير الآية بخطاب المؤمنين .
وعلى جوازه قبل المسيس ، كما قال في الآية الأخرى { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ }
وعلى أن المطلقة قبل الدخول ، لا عدة عليها ، بل بمجرد طلاقها ، يجوز لها التزوج ، حيث لا مانع ، وعلى أن عليها العدة ، بعد الدخول .
وهل المراد بالدخول والمسيس ، الوطء كما هو مجمع عليه ؟ أو وكذلك الخلوة ، ولو لم يحصل معها وطء ، كما أفتى بذلك الخلفاء الراشدون ، وهو الصحيح . فمن دخل عليها ، وطئها ، أم لا ، إذا خلا بها ، وجب عليها العدة .
وعلى أن المطلقة قبل المسيس ، تمتع على الموسع قدره ، وعلى المقتر قدره ، ولكن هذا ، إذا لم يفرض لها مهر ، فإن كان لها مهر مفروض ، فإنه إذا طلق قبل الدخول ، تَنَصَّف المهر ، وكفى عن المتعة ، وعلى أنه ينبغي لمن فارق زوجته قبل الدخول أو بعده ، أن يكون الفراق جميلاً ، يحمد فيه كل منهما الآخر .
ولا يكون غير جميل ، فإن في ذلك ، من الشر المرتب عليه ، من قدح كل منهما بالآخر ، شيء كثير .
وعلى أن العدة حق للزوج ، لقوله : { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ } دل مفهومه ، أنه لو طلقها بعد المسيس ، كان له عليها عدة [ وعلى أن المفارقة بالوفاة ، تعتد مطلقًا ، لقوله : { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } الآية ]{[713]}
وعلى أن من عدا غير المدخول بها ، من المفارقات من الزوجات ، بموت أو حياة ، عليهن العدة .
ولما أمر سبحانه بإبلاغ أوامره من غير التفات إلى أحد غيره ، وكان من المعلوم أنه لا بد في ذلك من محاولات ومنازعات ، لا يقوم بها إلا من أعرض عن الخلائق ، لما هو مشاهد له من عظمة الخالق ، أمر سبحانه بالتوكل عليه ، وأقام الدليل الشهودي بقصة الأحزاب وقريظة على كفاية لمن أخلص له ، فلما تم الدليل رجع إلى بيان ما افتتح به السورة من الأحكام بعد إعادة الأمر بالتوكل ، فذكر أقرب الطلاق إلى معنى المظاهرة المذكورة أول السورة بعد الأمر بالتوكل التي محط قصدها عدم قربان المظاهر عنها بعد أن كان أبطل المظاهرة . فقال ناهياً لمن هو في أدنى أسنان الإيمان بعد بشارة المؤمنين{[55785]} قاطعاً لهم عما كانوا يشتدون به في التحجر على المرأة المطلقة لقصد مضاجرتها أو تمام التمكن من التحكم فيها : { يا أيها الذين آمنوا } أي ادعوا ذلك { إذا نكحتم } أي عاقدتم ، أطلق اسم المسبب على السبب فقد صار فيه حقيقة شرعية { المؤمنات } أي الموصوفات بهذا الوصف الشريف المقتضي لغاية الرغبة فيهن وأتم الوصلة بينكم وبينهن .
ولما كان طول مدة الحبس بالعقد من غير جماع لا يغير الحكم في العدة وإن غيرها في النسب بمجرد إمكان الوطىء ، وكان الطلاق لا يكون إلا بعد النكاح وبعد حل الوطىء بالنكاح{[55786]} ، أشار إليه بحرف التراخي فقال : { ثم طلقتموهن } أي بحكم التوزيع ، وقيل لابن عباس : إن ابن مسعود رضي الله عنهم يقول بصحة تعليق الطلاق قبل النكاح فقال : زلة علم - وتلا هذه الآية .
ولما كان المقصود نفي المسيس في هذا النكاح لا مطلقاً ، وكانت العبرة في إيجاب المهر بنفس الوطىء لا بإمكانه{[55787]} وإن حصلت الخلوة ، أدخل الجار فقال : { من قبل أن تسموهن } أي تجامعوهن ، أطلق المسّ على الجماع لأنه طريق له كما سمي الخمر إثماً لأنها سببه . ولما كانت العدة حقاً للرجال قال : { فما لكم } ولما كانت العدة واجبة ، عبر بأداة الاستعلاء فقال : { عليهن } وأكد النفي بإثبات الجار في قوله : { من عدة } ودل على اعتيادهم ذلك ومبالغتهم فيه والمضاجرة به كما في الظهار بالافتعال فقال : { تعتدونها } أي تتكلفون عدها وتراعونه ، و{[55788]} روي عن ابن كثير{[55789]} من طريق البزي شاذاً بتخفيف{[55790]} الدال بمعنى تتكلفون الاعتداء بها على المطلقة .
ولما كان هذا الحكم - الذي معناه الانفصال{[55791]} - للمؤمنات اللاتي لهن صفات تقتضي دوام العشرة وتمام الاتصال ، كان{[55792]} ذلك للكتابيات من باب الأولى ، وفائدة التقييد الإرشاد إلى أنه لا ينبغي العدول عن المؤمنات ، بل ولا عن الصالحات من المؤمنات . ولما كان الكلام كما أشير إليه في امرأة قريبة من المظاهر{[55793]} عنها ، وكان ما خلا من الفرض للصداق أقرب إلى ذلك ، سبب عما مضى قوله : { فمتعوهن } ولم يصرح بأن ذلك لغير من سمى لها{[55794]} لتدخل المسمى لها في الكلام على طريق الندب مع ما لها من نصف المسمى{[55795]} كما دخلت الأولى وجوباً { وسرحوهن } أي أطلقوهن{[55796]} ليخرجن من منازلكم ولا تعتلوا عليهن بعلة { سراحاً جميلاً * } بالإحسان قولاً وفعلاً من غير ضرار بوجه أصلاً{[55797]} ليتزوجهن من شاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.