تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{۞وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلٗاۖ يَٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُۥ وَٱلطَّيۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ} (10)

فضلا : نعمة وإحسانا .

أوّبي معه : سبّحي معه .

أَلنّا له الحديد : سهّلنا له العمل به .

ولقد آتينا داود منّا فضلاً على سائر الناس في وقته ، وهو النبوّة والزبورُ والملك والصوت الحسن ، وقلنا للجبال رجِّعي معه التسبيح ، كما مرنا الطيرَ بالتسبيح معه ، وجعلنا الحديد ليِّناً بين يديه . وفي عصر داودَ اكتشف الحديد .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلٗاۖ يَٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُۥ وَٱلطَّيۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ} (10)

{ 10 - 11 } { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

أي : ولقد مننا على عبدنا ورسولنا ، داود عليه الصلاة والسلام ، وآتيناه فضلا من العلم النافع ، والعمل الصالح ، والنعم الدينية والدنيوية ، ومن نعمه عليه ، ما خصه به من أمره تعالى الجمادات ، كالجبال والحيوانات ، من الطيور ، أن تُؤَوِّب معه ، وتُرَجِّع التسبيح بحمد ربها ، مجاوبة له ، وفي هذا من النعمة عليه ، أن كان ذلك من خصائصه التي لم تكن لأحد قبله ولا بعده ، وأن ذلك يكون منهضا له ولغيره على التسبيح إذا رأوا هذه الجمادات والحيوانات ، تتجاوب بتسبيح ربها ، وتمجيده ، وتكبيره ، وتحميده ، كان ذلك مما يهيج على ذكر اللّه تعالى .

ومنها : أن ذلك - كما قال كثير من العلماء ، أنه طرب لصوت داود ، فإن اللّه تعالى ، قد أعطاه من حسن الصوت ، ما فاق به غيره ، وكان إذا رجَّع التسبيح والتهليل والتحميد بذلك الصوت الرخيم الشجيِّ المطرب ، طرب كل من سمعه ، من الإنس ، والجن ، حتى الطيور والجبال ، وسبحت بحمد ربها .

ومنها : أنه لعله ليحصل له أجر تسبيحها ، لأنه سبب ذلك ، وتسبح تبعا له .

ومن فضله عليه ، أن ألان له الحديد ، ليعمل الدروع السابغات ،

وعلمه تعالى كيفية صنعته ، بأن يقدره في السرد ، أي : يقدره حلقا ، ويصنعه كذلك ، ثم يدخل بعضها ببعض .

قال تعالى : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ }

ولما ذكر ما امتن به عليه وعلى آله ، أمره بشكره ، وأن يعملوا صالحا ، ويراقبوا اللّه تعالى فيه ، بإصلاحه وحفظه من المفسدات ، فإنه بصير بأعمالهم ، مطلع عليهم ، لا يخفى عليه منها شيء .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلٗاۖ يَٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُۥ وَٱلطَّيۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ} (10)

ولما أشار سبحانه بهذا الكلام الذي دل فيه على نفوذ الأمر إلى أنه تارة يعدل وتارة يفضل ، وكان الفضل أكثر استجلاباً لذوي الهمم العلية والأنفس الأبية ، بدأ به في عبد من رؤوس المنيبين على وجه دال على البعث بكمال التصرف في الخافقين وما فيهما بأمور شوهدت لبعض عبيده تارة بالعيان وتارة بالآذان ، أما عند أهل الكتاب فواضح ، وأما عند العرب فبتمكينهم{[56443]} من سؤالهم فقد كانوا يسألونهم عنه صلى الله عليه وسلم وقال أبو حيان{[56444]} : إن بعض ذلك طفحت به أخبارهم ونطقت به أشعارهم{[56445]} ، فقال تعالى مقسماً تنبيهاً على أن إنكارهم للبعث إنكار لما يخبر به من المعجزات ، عاطفاً على ما تقديره : فلقد آتينا هذا الرجل الذي نسبتموه إلى الكذب أو الجنون منا فضلاً بهذه الأخبار المدلول عليها بمعجز القرآن فيا بعد ما بينه وبين{[56446]} ما نسبتموه إليه : { ولقد } أي{[56447]} وعزتنا وما ثبت لنا من الإحاطة بصفات الكمال بالاتصاف بالحمد لقد{[56448]} { آتينا } أي أعطينا إعطاء عظيماً دالاً على نهاية{[56449]} المكنة بما لنا من العظمة { داود } .

ولما كان المؤتى قد تكون واسطة لمن منه الإيتاء ، بين أن الأمر ليس إلا منه فقال : { منا فضلاً } ودل على أن التنوين للتعظيم{[56450]} وأنه لا يتوقف تكوين{[56451]} شيء على غير إرادته بقوله ، منزلاً الجبال منزلة العقلاء الذين يبادرون إلى{[56452]} امتثال أوامره ، تنبيهاً على كمال قدرته وبديع تصرفه في الأشياء كلها{[56453]} جواباً لمن كأنه قال : ما ذلك الفضل ؟ مبدلاً من { أتينا } { يا } أي قلنا لأشد الأرض : يا { جبال أوبي } {[56454]}أي رجعي{[56455]} التسبيح وقراءة الزبور وغيرهما من ذكر الله { معه } أي كلما سبح ، فهذه آية أرضية مما هو{[56456]} أشد الأرض بما هو وظيفة العقلاء ، ولذلك عبر فيه بالأمر دلالة على عظيم القدرة .

ولما كانت الجبال أغلظ الأرض وأثقلها ، وكان المعنى : دعونا الجبال للتأويب معه ، فبادرت الإجابة لدعائنا ، لما تقدم من أنها من جملة من أبى أن يحمل الأمانة ، عطف على ذلك أخف الحيوان وألطفه ، ليكون آية سماوية ، على أنه يفعل في السماء ما يشاء ، فإنه لو أمات الطائر في جو السماء لسقط ، ولا فرق في ذلك بين عال وعال ، فقال : { والطير } أي دعوناها أيضاً ، فكانت ترجع معه الذكر فدل{[56457]} قرانها بالطير على ذكرها حقيقة كذكر الطير دفعاً لتوهم من يظنه{[56458]} رجع الصدا ، وقراءة يعقوب بالرفع عطف{[56459]} على لفظ " جبال " وقراءة غيره عطف{[56460]} على موضعه ، أو تكون الواو بمعنى مع أو بتقدير فعل من معنى ما مضى كسخرنا ، قال وهب بن منبه : كان يقول للجبال : سبحي ، وللطير : أجيبي ، ثم يأخذ وهو في تلاوة الزبور بين ذلك بصوته الحسن ، فلا يرى الناس منظراً أحسن من ذلك ، ولا يسمعون شيئاً أطيب{[56461]} منه ، وذلك كما كان الحصى يسبح في كف النبي صلى الله عليه وسلم وكف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وكما كان الطعام يسبح في حضرته الشريفة وهو يؤكل{[56462]} ، وكما كان الحجر يسلم عليه ، وأسكفة الباب وحوائط البيت تؤمن على دعائه ، وحنين الجذع مشهور ، و {[56463]}كما كان الضب{[56464]} يشهد له والجمل يشكو إليه ويسجد بين يديه ونحو ذلك ، وكما جاء الطائر الذي يسمى الحمرة تشكو الذي أخذ بيضها ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم برده رحمة لها .

ولما ذكر طاعة أكثف الأرض وألطف الحيوان الذي أنشأه الله منها . ذكر ما أنشأه سبحانه من ذلك الأكثف ، وهو أصلب الأشياء فقال : { وألنا له الحديد } أي الذي ولدناه من الجبال جعلناه في يده كالشمع يعمل منه ما يريد بلا نار ولا مطرقة ،


[56443]:في ظ وم ومد: فبتمكنهم.
[56444]:راجع النهر من البحر المحيط 7/261.
[56445]:في النهر: شعراؤهم.
[56446]:زيد من ظ وم ومد.
[56447]:زيد من ظ وم ومد.
[56448]:سقط من ظ.
[56449]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: غاية.
[56450]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: للعظمة.
[56451]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تنوين.
[56452]:زيد من ظ وم ومد.
[56453]:في ظ: كله.
[56454]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ارجعي.
[56455]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ارجعي.
[56456]:سقط من ظ.
[56457]:زيد في ظ: فعل.
[56458]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يظن.
[56459]:زيد من ظ وم ومد.
[56460]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: عطفا.
[56461]:زيد من ظ وم ومد.
[56462]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يأكل.
[56463]:سقط من ظ.
[56464]:من م ومد، وفي الأصل وظ: العنب.