الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{۞وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلٗاۖ يَٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُۥ وَٱلطَّيۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ} (10)

{ ياجبال } إمّا أن يكون بدلاً من { فَضْلاً } ، وإمّا من { ءاتَيْنَا } بتقدير : قولنا يا جبال . أو : قلنا يا جبال . وقرىء : «أوّبي » و «أوبي » من التأويب . والأوب : أي رجعي معه التسبيح . أو ارجعى معه في التسبيح كلما رجع فيه ؛ لأنه إذا رجعه فقد رجع فيه : ومعنى تسبيح الجبال : أنّ الله سبحانه وتعالى يخلق فيها تسبيحاً كما خلق الكلام في الشجرة ، فيسمع منها ما يسمع من المسبح : معجزة لداود . وقيل : كان ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين ، وكانت الجبال تسعده على نوحه بأصدائها والطير بأصواتها . وقرىء : «والطير » ، رفعاً ونصباً ، وعطفاً على لفظ الجبال ومحلها . وجوّزوا أن ينتصب مفعولاً معه ، وأن يعطف على فضلاً ، بمعنى وسخرنا له الطير .

فإن قلت : أي فرق بين هذا النظم وبين أن يقال : { ءاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } تأويب الجبال معه والطير ؟ قلت : كم بينهما . ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى : من الدلالة على عزّة الربوبية وكبرياء الإلهية ، حيث جعلت الجبال منزّلة منزلة العقلاء الذي إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا ، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا : إشعاراً بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت ، إلا وهو منقاد لمشيئته ، غير ممتنع على إرادته { وَأَلَنَّا لَهُ الحديد } وجعلناه له ليناً كالطين والعجين والشمع ، يصرفه بيده كيف يشاء من غير نار ولا ضرب بمطرقة . وقيل : لأن الحديد في يده لما أوتي من شدّة القوّة .