قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } فقوله : «مِنَّا » إشارة إلى بيان فضل داود لأن قوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ منّا فضلاً } مستقبل{[44179]} بالمفهوم وتام كما يقول القائل : آتَى الملك زيداً خلعةً ، فإذا قال القائل : آتاه منه خلعَةً يفيد أنه كان من خاصِّ ما يكون له فكذلك إيتاء الله الفضل عام لكن النبوة من عنده خاص بالبعض ، ونظيره قوله تعالى : { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ } [ التوبة : 21 ] فإنَّ رحمة الله واسعةٌ تصلُ إلى كل أحد لكن رحمته في الآخرة على المؤمنين رحمة من عنده لخواصِّه{[44180]} ، والمراد بالفضل النبوة والكتاب ، وقيل : الملك ، وقيل : جميع ما أوتِيَ من حُسْن الصوت وتَلْيِين الحديد وغير ذلك مما خُصَّ به{[44181]} .
قوله : «يَا جِبَالُ » محكيّ بقول مضمر{[44182]} ، ثم إن شئت قدرته مصدراً ويكون بدلاً من «فضلاً » على جهة تفسيره به كأنه قيل : آتيناهُ فضلاً قولَنَا يَا جبالُ ، وإن{[44183]} شئت جعلته مستأنفاً .
قوله : «أَوِّبي » العامة على فتح الهمزة ، وتشديد الواو ، أمراً من التَّأويب وهو التَّرجيع{[44184]} ، وقيل : التسبيح بلغة الحَبَشَة{[44185]} ، وقال القُتَيْبيُّ{[44186]} : أصله من التأويب في السير وهو أن يسير النهار كله ، وينزل ليلاً كأنه قال : أدْأَبِي النَّهار كُلَّهُ بالتسبيح معه{[44187]} ، وقال وهب : نوحي معه{[44188]} ، وقيل : سيري معه{[44189]} ، والتضعيف يُحتمل أن يكون للتكثير ، واختار أبو حيان أن يكون للتعدي قال : لأنهم فَسَّروه برجع مع التسبيح{[44190]} ، ولا دليل فيه لأنه دليل معنى{[44191]} .
وقرأ ابنُ عباس والحَسَنُ وقتادةُ وابنُ أبي إسحاق : أُوبِي بضم الهمزة أمراً من آبَ يَؤُوبُ أي ارجع معه بالتسبيح{[44192]} .
قوله : «والطير » العامة على نصبه وفيه أوجه :
أحدها : أنه عطف على محل جبال لأنه منصوب تقديراً{[44193]} .
الثاني : أنه مفعول معه قاله الزجاج{[44194]} . ورد عليه بأنه قبله لفظ «معه » ولا يقتضي العامل أكثرَ من مفعول معه واحد إلا بالبدل أو العطف لا يقال : جَاءَ زَيْدٌ مَعَ بَكْرٍ مَعَ عَمْروٍ{[44195]} . قال شهاب الدين : وخلافهم في تَقَصِّيه{[44196]} حالين يقتضي مجيئه هنا{[44197]} .
الثالث : أنه عطف على «فضلاً » ، قاله الكسائي{[44198]} ولا بدّ من حذف مضاف تقديره آتيناه فضلاً وتَسْبِيح الطير .
الرابع : أنه منصوب بإضمار فعل أي سَخَّرْنَا لَهُ الطَّيْرَ . قاله أبو عمرو{[44199]} ، وقرأ السُّلَميُّ والأعرجُ ويعقوبُ وأبو نوفل{[44200]} وأبو يَحْيَى{[44201]} وعاصمٌ - في رواية - والطَّيْرُ{[44202]} بالرفع ، وفيه أوجه : النسق على لفظ «الجبال{[44203]} » وأنشد :
4114- أَلاَ يَا زَيْدُ وَالضَّحَّاكُ سِيرَا . . . فَقَدْ جَاوزتُمَا خَمَرَ الطَّرِيق{[44204]}
بالوجهين ، وفي عطفِ المعرف بأل على المنادى المضموم ثلاثة مذاهب{[44205]} ، الثاني : عطفه على الضمير المستكن في «أَوِّبِي{[44206]} » وجاز ذلك ، للفصل بالظرف{[44207]} ، والثالث : الرفع على الابتداء والخبر مضمر أي والطيرُ كذلك{[44208]} أي مؤوبةٌ .
لم يكن الموافقون له في التأويب منحصراً في الطير والجبال ولكن ذكر الجبال لأن الصخور للجُمُود والطير للنفور وكلاهما مستبعد منه الموافقة ، فإذا وافقه هذه الأشياء فغيرها أولى ثم إن من الناس من لم يوافقه وهم القاسية قلوبهم التي هي أشَدّ قسوة{[44209]} .
قال المفسرون كان داود إذا نادى بالنياحة أجابته الجبال بصَدَاها وعكفت الطير على من فوقه فصدى الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك وقيل : كان داود إذا تخلل الجبال فسبح الله جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح . وقيل : كان داود إذا لحقه فتور أسمعه الله تسبيح الجبال تنشيطاً له{[44210]} .
قوله : «وَأَلَنَّا » عطف على «آتَيْتَا » وهو من جملة الفَضْل ، قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يعطف على «قلنا » في قوله { ياجبال أَوِّبِي . . . . . وَأَلَنَّا }{[44211]} .
ألان الله تعالى له الحديد حتى كان في يده كالشمع والعجين يعمل منه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مِطْرَقَةٍ وذلك في قدرة الله يسير ، روي أنه طلب من الله أن يغنيه عن أكل مال بيت المال فألان الله له الحديدَ وعلمه صنعة اللَّبُوس وهي الدرع{[44212]} وأنه أول من اتخذها . وإنما اختار الله له ذلك لأنه وقاية للروح التي هي من أمره وتحفظ الآدمي المكرم عند الله من القتل ، فالزَّرَّاد{[44213]} خيرمن القوَّاس والسَّيَّاف وغيرهما ؛ لأن القوس{[44214]} والسيف وغيرهما من السلاح رُبَّمَا يستعمل في قتل النفس المحرمة ، بخلاف الدَّرع قال عليه ( الصلاة{[44215]} و ) السلام : «كَانَ دَاوُدُ لاَ يَأكُلُ إلاَّ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ »{[44216]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.