بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلٗاۖ يَٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُۥ وَٱلطَّيۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ} (10)

قوله عز وجل : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدُ مِنَّا فَضْلاً } يعني : أعطيناه النبوة والملك حتى قلنا : { يا جبال أَوّبِي مَعَهُ } يعني : سبحي مع داود . وأصله في اللغة من الرجوع . وإنما سمي التسبيح إياباً لأن المسبح مرة بعد مرة وقال القتبي : أصله التأويب من السير ، وهو أن يسير النهار كله ، كأنه أراد أوبي النهار كله بالتسبيح إلى الليل .

ثم قال : { والطير } وقرئ في الشاذ : { والطير } بالضم . وقراءة العامة بالنصب . فمن قرأ بالضم : فهو على وجهين . أحدهما أن يكون نسقاً على { أوبي } ، والمعنى يا جبال ارجعي بالتسبيح معه أنت والطير . ويجوز أن يكون مرفوعاً على النداء والمعنى أيها الجبال وأيها الطير . ومن قرأ بالنصب فلثلاث معانٍ أحدها لنزع الخافض ومعناه : أوبي معه ، ومع الطير . والثاني أنه عطف على قوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدُ مِنَّا فَضْلاً } وآتيناه الطير يعني : وسخرنا له الطير . والثالث أن النداء إذا كان على أثره اسم ، فكان الأول بغير الألف واللام ، والثاني بالألف واللام ، فإنه في الثاني بالخيار إن شاء نصبه ، وإن شاء رفعه والنصب أكثر كما قال الشاعر

ألاَ يَا زَيْدُ والضَّحَّاكَ سِيْرَا *** فَقَدْ جَاوَزْتُمَا خَمرَ الطَّرِيقِ

ورفع زيداً لأنه نداء مفرد ، ونصب الضحاك بإدخال الألف واللام .

ثم قال عز وجل : { وَأَلَنَّا لَهُ الحديد } يعني : جعلنا له الحديد مثل العجين .