معاني القرآن للفراء - الفراء  
{۞وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلٗاۖ يَٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُۥ وَٱلطَّيۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ} (10)

وقوله : { يا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ10 } اجتمعت القراء الذين يُعرفون على تشديد { أَوِّبِي } ومَعناه : سَبّحي . وقرأ بعضهم ( أُوبِي مَعَهُ ) من آب يؤوب أي تصرَّفي معه . و{ الطَّيْرَ } منصوبة على جهتين : إحداهما أن تنصبها بالفعل بقوله : { وَلَقَدْ آتَيْنا دَاوُودَ مِنا فَضْلاً } . وسخَّرنا له الطيرَ . فيكون مثل قولك : أطعمته طعاما وماء ، تريد : وسَقيته ماء . فيجوز ذلك . والوجه الآخر بالنداء ، لأنكَ إذا قلت : يا عمرو والصَلْت أقبِلا ، نصبت الصّلت لأنه إنما يدعى بيأيُّها ، فإذا فقدتها كان كالمعدُولِ عن جهته فنُصب . وقد يجوز رَفعه على أن يتبع ما قبله . وَيجوز رَفعه على : أوّبي أنت والطيرُ . وأنشدني بعض العرب في النداء إذا نُصب لفقده يأيُّها :

أَلا يَا عَمْرُو وَالضحاكَ سِيَرَا *** فقد جَاوزتُما خَمرَ الطريقِ

الخَمَر : ما سترك من الشجر وغيرها ( وقد يجوز ) نصب ( الضحاك ) وَرَفعُه . وقال الآخر :

يا طلحةُ الكاملُ وابن الكَامل *** . . .

والنعت يجرى في الحرف المنادى ، كما يجرى المعطوف : يُنصب ويرفع ، ألا ترى أنك تقول : إن أخاكَ قائم وزيد ، وإن أخاك قائم [ و ] زيدا فيُجرى المعطوف في إنّ بعد الفعل مجرى النعت بعد الفعل .

وقوله : { وَأَلَنا لَهُ الْحَدِيدَ } أُسِيل له الحديد ، فكانَ يعمل به ما شاء كما يَعمل بالطين .