{ *ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد 10 إن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير11 }
يقص القرآن الحكيم من نبأ المرسلين ما يثبت الفؤاد ويقوي اليقين ، باقتدار مولانا الملك المتين ، وسابغ نعمه على المقربين المكرمين ، في هذه الدنيا ويوم الدين ، فداود عليه السلام أعطاه الله من لدنه فضلا عظيما ، فأمر الجبال أن ترجع معه التسبيح كلما سبح والطير كذلك ، كما جاء في قوله الله تبارك وتعالى : ) . . وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين( {[3726]} .
وفي آية كريمة أخرى : )إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق . والطير محشورة كل له أواب( {[3727]} ، ومع تسخير الطير والجماد علمه الله صنعة فيها نجاة للعباد ، ومرتزق كريم لنبي ملك . عف عن مال الأمة فعمل حدادا . يرعاه ربه وييسر له صنعته ، بل ويهديه إلى ما به يحسنها ويتقنها : { وألنا له الحديد . أن اعمل سابغات وقدر في السرد . . } قال ابن عباس : صار عنده كالشمع ، وقال السدي : كان الحديد في يده كالطين المبلول والعجين والشمع ، يصرفه كيف يشاء من غير إدخال نار ، ولا ضرب بمطرقة . قال قتادة : كانت الدروع قبله صفائح فكانت ثقالا ، فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع من الخفة والحصانة ، أي قدر ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه ، لا تقصد الحصانة فتثقل ، ولا الخفة فتزيل المنعة ، وقال ابن زيد : التقدير الذي أمر به هو في قدر الحلقة ، أي : لا تعملها صغيرة فتضعف فلا تقوى الدروع على الدفاع ، ولا تعملها كبيرة فينال لابسها ، وقال ابن عباس : التقدير الذي أمر به هو في المسمار ، أي لا تجعل مسمار الدرع رقيقا فيقلق ، ولا غليظا فيفصم الحلق . و{ السرد } نسج حلق الدروع .
[ وسبب ذلك أن داود عليه السلام لما ملك بني إسرائيل لقي ملكا ، وداود يظنه إنسانا ، وداود خرج متنكرا يسأل عن نفسه وسيرته في بني إسرائيل في خفاء ، فقال داود لذلك الشخص الذي تمثل له " : " وما قولك في هذا الملك داود ؟ فقال له الملك : " نعم العبد لولا خلة فيه " قال داود : وما هي " ؟ قال : " يرتزق من بيت المال ولو أكل من عمل يده لتمت فضائله " فرجع فدعا الله في أن يعلمه صنعة ويسهلها عليه ، فعلمه صنعة لبوس كما قال جل وعز : )وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون( {[3728]} فألان له الحديد فصنع الدروع . . . . . في هذه الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع . وأن التحرف بها لا ينقصهم ، بل ذلك زيادة في فضلهم وفضائلهم . . . . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن خير ما أكل المرء من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده " ]{[3729]} ، واذكر داود وأهله . أو ذكر أهل داود أن يستصحبوا عمل الصالحين ، ومنهاج الشاكرين ، فإنهم تحت سمع الله تعالى وبصره ، لا يخفى عليه شيء من الأقوال ولا من الأفعال ولا من الأحوال ، ومن استصحب اليقين برؤية رب العالمين كان ذلك أحرى أن يحسن فلا يسيء ، ولا يرتضي تفريطا ولا غفلة .
{ ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر }
وكما سخر المنعم الوهاب لداود الجبال يسبحن والطير ، سخر لسليمان الريح تجري بأمره رخاء حيث يريد ، أو عاصفة حين يأمرها تعصف ، تجري في الغداة حاملة ما يأمرها سليمان بحمله تقطع أول النهار مسيرة شهر ، وجريها بالعشي- من وسط النهار إلى آخره- مسيرة شهر كذلك-[ قال الحسن : كان يغدو عن دمشق فيقيل بإصطخر ، وبينهما مسيرة شهر للمسرع ، ثم يروح من إصطخر ويبيت بكابل ، وبينهما شهر للمسرع . قال السدي : كانت تسير به في اليوم مسيرة شهرين ]{[3730]} . ووهبناه صناعة ثقيلة من النحاس المذاب- يذيبه سليمان- أو يخرج الله له المعدن سائلا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.