وهذا الوسواسُ الخنّاس قد يكون من الجِنّ ، وقد يكون من البشَر . كما جاء ذلك صريحا في قوله تعالى { شَيَاطِينَ الإنس والجن يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُوراً } [ الأنعام : 112 ] .
وشياطينُ الإنسِ أشدُّ فتكاً وخطَرا من شياطين الجن . فكثيراً ما يأتيك إنسانٌ لئيم يُسدي إليك نصائحَ ، وهو كاذبٌ يقصِد من ورائها لَكَ الشرَّ ، فيدسُّ السّمَّ في الدَسَم .
اللهم جَنّبنا كلّ شر ، وادفع عنا أذى شياطين الإنس والجنّ .
انتهى تفسير سورة الناس . وبذلك تم تيسير التفسير ، والحمد لله رب العالمين .
والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس ، ولهذا قال : { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } .
والحمد لله رب العالمين أولًا وآخرًا ، وظاهرًا وباطنًا .
ونسأله تعالى أن يتم نعمته ، وأن يعفو عنا ذنوبًا لنا حالت{[1]} بيننا وبين كثير من بركاته ، وخطايا وشهوات ذهبت بقلوبنا عن تدبر آياته .
ونرجوه ونأمل منه أن لا يحرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا ، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، ولا يقنط من رحمته إلا القوم الضالون .
وصلى الله وسلم على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، صلاة وسلامًا دائمين متواصلين أبد الأوقات ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
تم تفسير كتاب الله بعونه وحسن توفيقه ، على يد جامعه وكاتبه ، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله المعروف بابن سعدي ، غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين ، وذلك في غرة ربيع الأول من سنة أربع وأربعين وثلثمائة وألف من هجرة محمد صلى الله عليه وسلم{[2]} في ب : ووقع النقل في شعبان 1345 ربنا تقبل منا واعف إنك أنت الغفور الرحيم .
{ من الجنة والناس } هذا بيان لجنس الوسواس ، وأنه يكون من الجن ومن الناس ، ثم إن الموسوس من الإنس يحتمل أن يريد من يوسوس بخدعه وأقواله الخبيثة فإنه شيطان كما قال تعالى : { شياطين الإنس والجن } [ الأنعام : 112 ] ، أو يريد به نفس الإنسان ؛ إذ تأمره بالسوء ، فإنها أمارة بالسوء ، والأول أظهر . وقيل : { من الناس } معطوف على { الوسواس } كأنه قال : أعوذ من شر الوسواس من الجنة ومن شر الناس ، وليس الناس على هذا ممن يوسوس ، والأول أظهر وأشهر .
فإن قيل : لم ختم القرآن بالمعوذتين ، وما الحكمة في ذلك ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : قال شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير : لما كان القرآن من أعظم النعم على عباده ، والنعم مظنة الحسد ، فختم بما يطفئ الحسد من الاستعاذة بالله .
الثاني : يظهر لي أن المعوذتين ختم بهما ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيهما : " أنزلت علي آيات لم ير مثلهن قط " ، كما قال في فاتحة الكتاب : " لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها " ، فافتتح القرآن بسورة لم ينزل مثلها ، واختتم بسورتين لم ير مثلهما ، ليجمع حسن الافتتاح والاختتام ، ألا ترى أن الخطب والرسائل والقصائد وغير ذلك من أنواع الكلام إنما ينظر فيها إلى حسن افتتاحها واختتامها .
الوجه الثالث : يظهر لي أيضا أنه لما أمر القارئ أن يفتتح قراءته بالتعوذ من الشيطان الرجيم ، ختم القرآن بالمعوذتين ليحصل الاستعاذة بالله عند أول القراءة ، وعند آخر ما يقرأ من القراءة ، فتكون الاستعاذة قد اشتملت على طرفي الابتداء والانتهاء ، وليكون القارئ محفوظا بحفظ الله الذي استعاذ به من أول أمره إلى آخره ، وبالله التوفيق ، لا رب غيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.