تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ إِنِ ٱمۡرُؤٌاْ هَلَكَ لَيۡسَ لَهُۥ وَلَدٞ وَلَهُۥٓ أُخۡتٞ فَلَهَا نِصۡفُ مَا تَرَكَۚ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهَا وَلَدٞۚ فَإِن كَانَتَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَۚ وَإِن كَانُوٓاْ إِخۡوَةٗ رِّجَالٗا وَنِسَآءٗ فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۗ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ أَن تَضِلُّواْۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ} (176)

الكلالة : الذي ليس له ولد ولا والد .

هلك : مات .

روى الإمام أحمد ، والشيخان ، وأصحاب السنن عن جابر بن عبد الله قال : «دخل عليَّ رسولُ الله وأنا مريض لا أعقِل ، فتوضّأ ثم صبّ عليَّ فعقلت . فقلت إنه لا يرثني إلا كلالة فكيف الميراث ؟ فنزلت هذه الآية » .

والمعنى : إن مات رجل وليس له ولد ولا والد يرثه ، ولكن له أختاً فإنها تفوز بنصف التركة . وإن ماتت امرأة لا ولَد لها لكن لها أخاً واحداً نال ذلك الأخ كل ما تركت من المال . فإن كان للميت أختان فقط فلهما الثلثان ، وإن كان للمورّث عدد من الأخوة والأخوات تنقسم التركة بينهم : للذكر نصيبان وللمرأة نصيب ، والله عالِم بكل ما تعملون .

هكذا تختَتَم هذه السورة العظيمة التي بدأت بعلاقات الأسرة ، وتكافلها الاجتماعية تضمنت الكثير من التنظيمات الاجتماعية في ثناياها . إنها تختَتَم بتكملة أحكام الكلالة . وكان قد ورد بعض هذه الأحكام في أول السورة ، بقوله تعالى : { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امرأة . . . . . . . } الآية .

ومع ختم آية الميراث ، تختَتَم السورة بذلك التعقيب القرآني الذي يردّ الأمورَ إلى الله ويربط تنظيم الحقوق والواجبات والأموال وغير ذلك بقوله { يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .

{ بِكُلِّ شَيْءٍ } من الميراث وغيره من علاقات الأُسَر والجماعات ، والمجتمع وما فيه ، من الأحكام والتشريعات .

ختام السورة:

والخلاصة : إن سورة النساء عالجت أحوالَ المسلمين فيما يختص بتنظيم شئونهم الداخلية ، وحفظ كيانهم الخارجي ، لم تقف عند حد التنبيه على عناصر المقاومة المادية ، بل نبهت على ما يجب أن تَحفظ به عقيدة الأمة ومبادءَها من الشكوك والشُّبه . وفي هذا إيحاء يجب على المسلمين أن يلتفتوا إليه هذه الأيام ، وهو أن يحتفظوا بمبادئهم كما يحتفظون بأوطانهم ، وأن يحصِّنوا أنفسهم من شر حربٍ هي أشد خطراً وأبعد في النفوس أثرا من حرب السلاح المادي : تلك هي حرب التحويل من دين إلى دين ، مع البقاء في الأوطان والإقامة في الديار والأموال . .

أَلا وإن بقاء شخصية الأمة ليتطلب الاحتفاظَ بالجانبين : جانب الوطن والسلطان ، وجانب العقيدة والإيمان . وذلك كي نسترد ما ذهب من أوطاننا ، وندرأ الخطر الكبير الذي يحيط بنا ، من عدوٍ غاشم لا يتمسّك بدِين ولا خُلُق .