قوله تعالى : " واذكر أخا عاد " هو هود بن عبد الله بن رباح عليه السلام ، كان أخاهم في النسب لا في الدين . " إذ أنذر قومه بالأحقاف " أي اذكر لهؤلاء المشركين قصة عاد ليعتبروا بها . وقيل : أمره بأن يتذكر في نفسه قصة هود ليقتدي به ، ويهون عليه تكذيب قومه له . والأحقاف : ديار عاد . وهي الرمال العظام ، في قول الخليل وغيره . وكانوا قهروا أهل الأرض بفضل قوتهم . والأحقاف جمع حقف ، وهو ما استطال من الرمل العظيم واعوَجَّ ولم يبلغ أن يكون جبلا ، والجمع حقاف وأحقاف وحقوف . واحقوقف الرمل والهلال أي اعوج . وقيل : الحقف جمع حقاف . والأحقاف جمع الجمع . ويقال : حِقف أحقف . قال الأعشى :
بات إلى أرطاة حِقف أحقفا{[13856]}
أي رمل مستطيل مشرف . والفعل منه احقوقف . قال العجاج :
طيّ الليالي زُلَفًا فزلفا *** سَمَاوَةَ الهلال حتى احقوقفا
أي انحنى واستدار . وقال امرؤ القيس :
كحِقف النقا{[13857]} يمشي الوليدَان فوقه *** بما احتسبا من لِين مَسٍّ وتَسْهَالِ
وفيما أريد بالأحقاف ها هنا مختلف فيه . فقال ابن زيد : هي رمال مشرفة مستطيلة كهيئة الجبال ، ولم تبلغ أن تكون جبالا ، وشاهده ما ذكرناه . وقال قتادة : هي جبال مشرفة بالشحر ، والشحر قريب من عدن ، يقال : شِحْر عمان وشَحْر عمان ، وهو ساحل البحر بين عمان وعدن . وعنه أيضا : ذكر لنا أن عادا كانوا أحياء باليمن ، أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها : الشحر . وقال مجاهد : هي أرض من حِسْمَى تسمى بالأحقاف . وحِسمى ( بكسر الحاء ) اسم أرض بالبادية فيها جبال شواهق ملس الجوانب لا يكاد القتام يفارقها . قال النابغة :
فأصبح عاقلا بجبال حِسْمَى *** دُقَاقَ التَّرب مُحْتَزَمَ القَتَامِ{[13858]}
قاله الجوهري . وقال ابن عباس والضحاك : الأحقاف جبل بالشام . وعن ابن عباس أيضا : واد بين عمان ومهرة . وقال مقاتل : كانت منازل عاد باليمن في حضر موت بواد يقال له مهرة ، وإليه تنسب الإبل{[13859]} المهرية ، فيقال : إبل مهرية ومهاري . وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج{[13860]} العود رجعوا إلى منازلهم ، وكانوا من قبيلة إرم . وقال الكلبي : أحقاف الجبل ما نضب عنه الماء زمان الغرف ، كان ينضب الماء من الأرض ويبقى أثره . وروى الطفيل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : خير واديين في الناس واد بمكة وواد نزل به آدم بأرض الهند . وشر واديين في الناس واد بالأحقاف وواد بحضر موت يدعى برهوت تلقى فيه أرواح الكفار . وخير بئر في الناس بئر زمزم . وشر بئر في الناس بئر برهوت ، وهو في ذلك الوادي الذي بحضر موت . " وقد خلت النذر " أي مضت الرسل . " من بين يديه " أي من قبل هود . " ومن خلفه " أي ومن بعده ، قال الفراء . وفي قراءة ابن مسعود " من بين يديه ومن بعده " . " ألا تعبدوا إلا الله " هذا من قول المرسل ، فهو كلام معترض . ثم قال هود : " إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " وقيل : " ألا تعبدوا إلا الله " من كلام هود ، والله أعلم .
قوله تعالى : { واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم 21 قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين 22 قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكنني أراكم قوما تجهلون 23 فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم 24 تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين } .
ذلك تأنيس من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بسبب تكذيب المشركين له ، فيذكّره الله بالنبيين من قبله فقد أوذوا في سبيل الله ولاقوا من قومهم المشركين الأذية والعنت . وهو كذلك تحذير من الله لهؤلاء المشركين أن يحل بهم من العقاب ما حل بمن سبقهم من الظالمين كقوم عاد ، إذ كانوا موغلين في الشرك والطغيان وكانوا أشد قوة من هؤلاء المشركين . فقال سبحانه في ذلك : { واذكرإذ أنذر قومه بالأحقاف } أي واذكر لقومك المشركين يا محمد ، أخا عاد ، وهو نبي الله هود عليه الصلاة والسلام ، وقد كان أخاهم في النسب لا في الدين { إذ أنذر قومه بالأحقاف } والأحقاف جمع حقف وهو المعوج من الرمل . أو هو الكثيب المكسّر من الرمل غير الكبير وفيه اعوجاج{[4214]} والمراد بالأحقاف : ديار عاد . واختلفوا في موضعها . فقد قيل : واد بين عمان ومهرة . وقيل : واد بحضرموت من اليمن .
والمعنى : واذكر لهؤلاء المشركين قصة عاد ليعتبروا بها فيخشوا أن يحل بهم ما حل بعاد قوم هود فينقمعوا عن كفرهم وعصيانهم . أو أن يتذكر هو في نفسه قصة أخيه هود فيهون عليه تكذيب المشركين له . قوله : { وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه } { النذر } جمع نذير وهو المبلغ رسالة ربه إلى الناس ، أي وقد مضت الرسل من قبل هود ومن بعده { ألا تعبدوا إلا الله } فقد كانت وجيبة الرسل نحو قومهم أن يحذروهم أي إشراك في عبادة الله بل عليهم إخلاص العبادة لله وحده وإفراده بالإلهية والتوحيد فهو لا إله غيره ولا رب سواه .
قوله : { إني اخاف عليكم عذاب يوم عظيم } ذلك من قيل هود لقومه ، وهو : إني أخاف عليكم أيها القوم بسبب شرككم وعصيانكم أمر ربكم عذاب يوم يشتد فيه الهول وتعظم فيه البلايا والخطوب وهو يوم القيامة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.