الأولى- قوله تعالى : " وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله " أي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله ، وفيما يقربكم من ربكم وأنتم تموتون وتخلفون أموالكم وهي صائرة إلى الله تعالى : فمعنى الكلام التوبيخ على عدم الإنفاق . " ولله ميراث السماوات والأرض " أي إنهما راجحتان إليه بانقراض من فيهما كرجوع الميراث إلى المستحق له .
الثانية- قوله تعالى : " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل " أكثر المفسرين على أن المراد بالفتح فتح مكة . وقال الشعبي والزهري : فتح الحديبية . قال قتادة : كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر ، ونفقتان إحداهما أفضل من الأخرى ، كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل من القتال والنفقة بعد ذلك . وفي الكلام حذف ، أي " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل " ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل ، فحذف لدلالة الكلام عليه . وإنما كانت النفقة قبل الفتح أعظم ؛ لأن حاجة الناس كانت أكثر لضعف الإسلام ، وفعل ذلك كان على المنفقين حينئذ أشق والأجر على قدر النصب . والله أعلم .
الثالثة- روى أشهب عن مالك قال : ينبغي أن يقدم أهل الفضل والعزم ، وقد قال الله تعالى : " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل " وقال الكلبي : نزلت في أبي بكر رضي الله عنه ، ففيها دليل واضح على تفضيل أبي بكر رضي الله عنه وتقديمه ؛ لأنه أول من أسلم . وعن ابن مسعود : أول من أظهر الإسلام بسيفه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ؛ ولأنه أول من أنفق على نبي الله صلى الله عليه وسلم . وعن ابن عمر قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر وعليه عباءة قد خللها في صدره بخلال فنزل جبريل فقال : يا نبي الله ! ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها في صدره بخلال ؟ فقال : ( قد أنفق علي ماله قبل الفتح " قال : فإن الله يقول لك اقرأ على أبي بكر السلام وقل له : أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال رسول صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا بكر إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط ) ؟ فقال أبو بكر : أأسخط ( على ربي ؟ إني عن ربي لراض ! إني عن ربي لراض ! إني عن ربي لراض ! قال : ( فإن الله يقول لك قد رضيت عنك كما أنت عني راض ) فبكى أبو بكر فقال جبريل عليه السلام : والذي بعثك يا محمد بالحق ، لقد تخللت حملة العرش بالعُبِيّ منذ تخلل صاحبك هذا بالعباءة ، ولهذا قدمته الصحابة عل أنفسهم ، وأقروا له بالتقدم والسبق . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : سبق النبي صلى الله عليه وسلم وصلى{[14700]} أبو بكر وثَلّثَ عمر ، فلا أوتى برجل فضلني على أبي بكر إلا جلدته حد المفتري ثمانين جلدة وطرح الشهادة . فنال المتقدمون من المشقة أكثر مما نال من بعدهم ، وكانت بصائرهم أيضا أنفذ .
والرابعة- التقدم والتأخر قد يكون في أحكام الدنيا ، فأما في أحكام الدين فقد قالت عائشة رضي الله عنها : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم . وأعظم المنازل مرتبة الصلاة . وقد قال صلى الله عليه وسلم في مرضه : ( مروا أبا بكر فليصل بالناس ) الحديث . وقال : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ) وقال : ( وليؤمكما أكبركما ) من حديث مالك بن الحويرث وقد قدم . وفهم منه البخاري وغيره من العلماء أنه أراد كبر المنزلة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( الولاء للكِبَر ) ولم يعن كبر السن . وقد قال مالك وغيره : إن للسن حقا . وراعاه الشافعي وأبو حنيفة وهو أحق بالمراعاة ؛ لأنه إذا اجتمع العلماء والسن في خيرين قدم العلم ، وأما أحكام الدنيا فهي مُرَتَّبَة على أحكام الدين ، فمن قدم في الدين قدم في الدنيا . وفي الآثار : ( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ) . ومن الحديث الثابت في الأفراد : ( ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له عند سنه من يكرمه ) . وأنشدوا{[14701]} :
يا عائباً للشيوخ من أَشَرِ *** داخلَه في الصِّبا ومن بَذَخِ
اذكر إذا شئت أن تُعَيِّرَهُم *** جَدَّكَ واذكر أباك يا ابن أخِ
واعلم بأن الشباب منسلخٌ *** عنك وما وِزْرُه بِمُنْسَلِخِ
من لا يعز الشيوخَ لا بلغتْ *** يوما به سنه إلى الشَّيَخِ
الخامسة- قوله تعالى : " وكلا وعد الله الحسنى " أي المتقدمون المتناهون السابقون ، والمتأخرون اللاحقون ، وعدهم الله جميعا الجنة مع تفاوت الدرجات . وقرأ ابن عامر " وكل " بالرفع ، وكذلك هو بالرفع في مصاحف أهل الشام . الباقون " وكلا " بالنصب على ما في مصافحهم ، فمن نصب فعلى إيقاع الفعل عليه أي وعد الله كلا الحسنى . ومن رفع فلأن المفعول إذا تقدم ضعف عمل الفعل ، والهاء محذوفة من وعده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.