بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (10)

ثم قال عز وجل : { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ في سَبِيلِ الله } يعني : ما لكم ألا تصدقوا ، أو ألا تنفقوا أموالكم في طاعة الله .

{ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السماوات والأرض } يعني : إلى الله يرجع ميراث السماوات والأرض ، أي : شيء ينفعكم ترك الإنفاق ، ميتون ، تاركون أموالكم . ويقال : معناه : { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ } والأموال كلها لله تعالى وهو يأمركم بالنفقة . ويقال : أنفقوا ما دمتم في الحياة ، فإنكم إن بخلتم ، فإن الله هو يرثكم ، ويرث أهل السماوات . يعني : أنفقوا قبل أن تفنوا ، وتصير كلها ميراثاً لله تعالى بعد فنائكم ، وإنما ذكر لفظ الميراث ، لأن العرب تعرف ما ترك الإنسان ميراثاً ، فخاطبهم بما يعرفون فيما بينهم .

ثم قال : { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم } يعني : لا يستوي منكم في الفضل ، والثواب عند الله تعالى { مَّنْ أَنفَقَ } مَاله في طاعة الله { مِن قَبْلِ الفتح } يعني : قاتل العدو . وفي الآية : تقديم يعني : من أنفق وقاتل { مِن قَبْلِ الفتح } يعني : فتح مكة . ونزلت الآية في شأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار . يعني : الذين أنفقوا أموالهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقاتلوا الكفار ، لا يستوي حالهم وحال غيرهم . ويقال : نزلت الآية في شأن أبي بكر رضي الله عنه كان جالساً مع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوقعت بينهم منازعة في شيء ، فنزل في تفضيل أبي بكر رضي الله عنه { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ } ماله { مِن قَبْلِ الفتح } يعني : من قبل ظهور الإسلام { وقاتل } يعني : وجاهد { أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً } يعني : أبا بكر رضي الله عنه { مّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وقاتلوا } العدو مع النبي صلى الله عليه وسلم . ويقال : هذا التفضيل لجميع أصحابه رضي الله عنهم أجمعين . وروى سفيان عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سَيَأْتِي قَوْمٌ بَعْدَكُمْ يَحْقِرُونَ أعْمَالَكُمْ مَعَ أعْمَالِهِمْ » . قالوا : يا رسول الله نحن أفضل أم هم ؟ فقال : «لَوْ أنَّ أحَدَهُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً ، مَا أدْرَكَ فَضْلَ أحَدِكُمْ ولا نِصْفَهُ » . { أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً } قال الفقيه : حدثني الخليل بن أحمد . ثنا الدبيلي . ثنا عبيد الله عن سفيان ، عن زيد بن أسلم { مّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وقاتلوا } { وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى } قرأ ابن عامر : { وَكُلٌّ وَعَدَ الله الحسنى } بضم اللام . والباقون : بالنصب . فمن قرأ بالضم ، صار ضمّاً لمضمر فيه ، فكأنه قال : أولئك وعد الله الحسنى . ومن نصب : معناه وعد الله كلّاً الحسنى يعني : الجنة .

ثم قال : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } يعني : ما أنفقتم .