{ وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير }
{ وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض } أي يرث كل شيء فيهما ، ولا يبقى لأحد مال وإذا كان كذلك فما أجدر أن ينفق المرء في حياته ويتخذه ذخرا يجده بعد مماته .
قال الشهاب : هذا من أبلغ ما يكون في الحث على الإنفاق لأنه قرنه بالإيمان أولا لما أمرهم به ثم وبخهم على ترك الإيمان مع سطوع براهينه وعلى ترك الإنفاق في سبيل من أعطاه لهم مع أنهم على شرف الموت وعدم بقائه لهم إن لم ينفقوه وسبيل الله كل خير يوصلهم إليه أعم من الجهاد وغيره ، وقصر بعضهم إياه على الجهاد لأنه فرده الأكمل وجزؤه الأفضل من باب قصر العام على أهم أفراده وأشملها لا سيما وسبب النزول كان لذلك .
{ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل } أي من قبل مكة أو صلح الحديبية وقاتل لتعلو كلمة الحق ومن أنفق من بعد وقاتل في حال قوة الإسلام وعزة أهله فحذف الثاني لوضوح الدلالة عليه فإن الاستواء لا يتم إلا بذكر شيئين ، على أنه أشير إليه بقوله مستأنفا عنهم زيادة في التنويه بهم { أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا } أي لعظم موضع نصرة الرسول صلوات الله عليه بالنفس وإنفاق المال في تلك الحال وفي المسلمين قلة ، وفي الكافرين شوكة وكثرة عدد فكانت الحاجة إلى النصرة والمعاونة أشد بخلاف ما بعد الفتح فإن الإسلام صار في ذلك الوقت قويا والكفر ضعيفا ويدل عليه قوله تعالى{[6965]} { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار } وقوله عليه الصلاة والسلام {[6966]} " لا تسبوا أصحابي فلو انفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " وهذه الآية دالة على فضل من سبق إلى الإسلام وأنفق وجاهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم أفاده الرازي .
وفي ( الإكليل ) في الآية دليل على أن للصحابة مراتب وأن الفضل للسابق وعلى تنزيل الناس منازلهم وعلى أن أفضلية العمل على قدر رجوع منفعته إلى الإسلام والمسلمين لأن الأجر على قدر النصب انتهى .
و { كلا } أي وكل واحد من الفريقين { وعد الله الحسنى } أي المثوبة الحسنى ، وهي الجنة لا الأولين فقط ، وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء .
قال ابن كثير وإنما نبه بهذا لئلا يهدر جانب الآخر فيمدح الأول دون الآخر فيتوهم متوهم ذمه فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه مع تفضيل الأول عليه .
{ والله بما تعملون خبير } أي من النفقة ففي سبيله وجهاد أعدائه وغير ذلك فيجازيكم على جميع ذلك .
قال ابن كثير ولخبرته تعالى ، فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل ، ومن فعل ذلك بعد ذلك وما ذاك إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق وفي الحديث {[6967]} " سبق درهم مائة ألف " ولا شك عند أهل الإيمان أن الصديق أبا بكر رضي الله عنه له الحظ الأوفر من هذه الآية فإنه_ سيد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله عز وجل ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها وقوله تعالى
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.