تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (10)

الآية 10 وقوله تعالى : { وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض } هذا يخرج على وجهين :

أحدهما : ما قال أهل التأويل : إن الخلق يفنون كلهم ، ويبقى الله تعالى كقوله تعالى كقوله تعالى : { إنا نحن نرث الأرض ومن عليها } [ مريم : 40 ] فعلى هذا قوله تعالى : { وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله } أي ما لكم لا تنفقون في سبيل الله قبل أن يزول ملككم ، ويصير{[20596]} ميراثا لله تعالى .

وجائر أن يكون قوله تعالى : { ولله ميراث السماوات والأرض } إضافة وراثة بعضهم من بعض إليه لما أنهم عبيده وإماؤه ، ومال العبد يكون لسيده ، فيصير كأنه يقول : ما لكم ألا تنفقوا لأنفسكم وما يرجع إلى منافعكم قبل أن يصير ذلك ميراثا لغيركم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة } الآية . قال بعضهم : { لا يستوي منكم من أنفق } أي لا يستوي منكم من آمن من قبل الفتح ، لأنه قبل الفتح كان على من آمن الهلاك وأنواع العقوبات ، لأن الغلبة في ذلك الوقت كانت لأهل الكفر . لذلك لم يستو من آمن منهم قبل الفتح ومن آمن منهم بعد الفتح ومن آمن منهم بعد الفتح .

وعلى ذلك يخرج ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لو وزن إيمان أبي بكر بإيمانهم لرجح } [ ابن عدي في الكامل 5/335 ] لأن إيمانه رضي الله عنه في وقت الخوف على [ أن ]{[20597]} يبقى الإسلام ، أو لما يكون بإيمانه إيمان نفر كثير لأنه كان رئيسهم .

وكذلك الإنفاق في ذلك الوقت أفضل وأعظم لما في الإنفاق في ذلك الوقت معونة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن تابعه ، أو لما أن الإنفاق من بعد الفتح يقع به طمع الوصول إلى المنافع و الأبدال من الصدقات والمغانم . وقبل الفتح لم يكن ذلك المعنى ؛ فهو كله خالص بلا بدل ولا طمع كان معه ، والله أعلم .

وقيل : لا يستوي من هاجر ومن لم يهاجر ، ولا هجرة بعد الفتح ، فلذلك روي عنه صلى الله عليه وسلم [ أنه قال : ]{[20598]} { لا هجرة بعد اليوم ، ولكن جهاد ونية } [ البخاري 1834 ] .

وقوله تعالى : { و كلا وعد الله الحسنى } أي وعد الله لكلا الفريقين : من أنفق قبل الفتح وبعده الجنة والثواب الحسن .

وقال بعض أهل التأويل : هذه الآية نزلت في فتح الحديبية : { قيل : يارسول الله أفتح هو ؟ قال : نعم فتح عظيم } [ ابن جرير الطبري في تفسيره : 27/220 ] .

وعن قتادة [ أنه قال ]{[20599]} : هو فتح مكة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { والله بما تعملون خبير } فيه ترغيب وترهيب في ما يرغب فيه ويرغب عنه .


[20596]:في الأصل و م: صار.
[20597]:ساقطة من الأصل و م.
[20598]:ساقطة من الأصل و م.
[20599]:ساقطة من الأصل و م.