قوله جلّ ذكره : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .
كما عرَّفَه اللَّهُ سبحانه أخبارَ مَنْ قبْلَه من الأنبياء ، عرَّفه أنه اجتمعت فيه متفرقاتُ أخلاقهم فقال له : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .
ويقال : إنه عَرَضَ عليه مفاتيحَ الأرضِ فلم يقبلْها ، ورقّاه ليلةَ المعراج ، وأراه جميع المملكة والجنة فلم يلتفت إليها ، قال تعالى : { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } [ النجم : 17 ] فما التفت يميناً ولا شمالاً ، ولهذا قال تعالى : { وَإِنٍَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } . . . ويقال : { على خلق عظيم } : لا بالبلاءِ تنحرف ، ولا بالعطاءِ تنصِرف ؛ احتمل صلوات الله عليه في الأذى شَجَّ رأسِه وثَغْرِه ، وكان يقول :
" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " . وغداً كلٌّ يقول : نفسي نفسي وهو صلوات الله عليه يقول : " أمتي أمتي " .
ويقال : عَلّمه محاسنَ الأخلاق بقوله : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلينَ } .
سأل صلواتُ الله عليه جبريل : " بماذا يأمرني ربي ؟ قال : يأمرك بمحاسن الأخلاق ؛ يقول لك : صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وأعْطِ مَنْ حَرَمك واعفٌ عَمَّن ظَلَمَك " ، فتأدَّبَ بهذا ؛ فأثنى عليه وقال : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .
ولهذا قال : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } أي : عاليًا به ، مستعليًا بخلقك الذي من الله عليك به ، وحاصل خلقه العظيم ، ما فسرته به أم المؤمنين ، [ عائشة -رضي الله عنها- ] لمن سألها عنه ، فقالت : " كان خلقه القرآن " ، وذلك نحو قوله تعالى له : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } [ الآية ] ، { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالمْؤُمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق ، [ والآيات ] الحاثات على الخلق العظيم{[1188]} فكان له منها أكملها وأجلها ، وهو في كل خصلة منها ، في الذروة العليا ، فكان صلى الله عليه وسلم سهلًا لينا ، قريبًا من الناس ، مجيبًا لدعوة من دعاه ، قاضيًا لحاجة من استقضاه ، جابرًا لقلب من سأله ، لا يحرمه ولا يرده خائبًا ، وإذا أراد أصحابه منه أمرًا وافقهم عليه ، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور ، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم ، بل يشاورهم ويؤامرهم ، وكان يقبل من محسنهم ، ويعفو عن مسيئهم ، ولم يكن يعاشر جليسًا له إلا أتمَّ عشرةٍ وأحسنَها ، فكان لا يعبس في وجهه ، ولا يغلظ عليه في مقاله ، ولا يطوي عنه بشره ، ولا يمسك عليه فلتات لسانه ، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة ، بل يحسن إلى عشيره غاية الإحسان ، ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم .
فلما أنزله الله في أعلى المنازل من جميع الوجوه ، وكان أعداؤه ينسبون إليه أنه مجنون مفتون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.