لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ} (144)

حَفِظَ - صلوات الله عليه - الآدابَ حيث سكت بلسانه عن سؤال ما تمنَّاه من أمر القبلة بقلبه ، فَلاَحَظَ السماءَ لأنها طريق جبريل عليه السلام ، فأنزل الله عزَّ وجل : { قد نرى تقلب وجهك في السماء } أي علمنا سؤلك عمَّا لم تُفْصِحْ عنه بلسان الدعاء ، فلقد غيَّرنا القِبْلَةَ لأجلك ، وهذه غاية ما يفعل الحبيب لأجل الحبيب .

كلَّ العبيد يجتهدون في طلب رضائي وأنا أطلب رضاك { فلنولينك قِبْلَةً ترضاها } { فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام } : ولكن لا تُعَلِّقْ قلبَكَ بالأحجار والآثار ، وأَفْرِد قلبك لي ، ولتكن القِبلةُ مقصودَ نَفْسِك ، والحقُّ مشهودَ قلبك ، وحيثما كنتم أيها المؤمنون فولوا وجوهكم شطره ، ولكن أَخْلِصوا قلوبَكم لي وأَفرِدوا شهودكم بي .

قوله جلّ ذكره : { وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }

ولكنه عِلْمٌ لا يكون عليهم حجة ، ولا تكون لهم فيه راحة أو منه زيادة ، { وما اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } تهويلاً على الأعداء ، وتأميلاً على الأولياء .