سورة ص مكية وآياتها ثمان وثمانون
هذه السورة مكية ، تعالج من موضوعات السور المكية قضية التوحيد ، وقضية الوحي إلى محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وقضية الحساب في الآخرة . وتعرض هذه القضايا الثلاث في مطلعها الذي يؤلف الشوط الأول منها . وهو الآيات الكريمة التي فوق هذا الكلام . وهي تمثل الدهش والاستغراب والمفاجأة التي تلقى بها كبار المشركين في مكة دعوة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] لهم إلى توحيد الله ؛ وإخبارهم بقصة الوحي واختيارهرسولاً من عند الله : ( وعجبوا أن جاءهم منذر منهم . وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ، أجعل الآلهة إلهاً واحداً : إن هذا لشيء عجاب . وانطلق الملأ منهم : أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد . ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق . أأنزل عليه الذكر من بيننا ? ) . . كما تمثل استهزاءهم واستنكارهم لما أوعدهم به جزاء تكذيبهم من عذاب : ( وقالوا : ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ) . .
لقد استكثروا أن يختار الله - سبحانه - رجلاً منهم ، لينزل عليه الذكر من بينهم . وأن يكون هذا الرجل هو محمد بن عبد الله . الذي لم تسبق له رياسة فيهم ولا إمارة ! ومن ثم ساءلهم الله في مطلع السورة تعقيباً على استكثارهم هذا واستنكارهم وقولهم : ( أأنزل عليه الذكر من بيننا )ساءلهم : ( أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب ? أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما ? فليرتقوا في الأسباب ) . . ليقول لهم : إن رحمة الله لا يمسكها شيء إذا أراد الله أن يفتحها على من يشاء . وإنه ليس للبشر شيء من ملك السماوات والأرض ، وإنما يفتح الله من رزقه ورحمته على من يشاء وإنه يختار من عباده من يعلم استحقاقهم للخير ، وينعم عليهم بشتى الإنعامات بلا قيد ولا حد ، ولا حساب . . وفي هذا السياق جاءت قصة داود وقصة سليمان ؛ وما أغدق الله عليهما من النبوة والملك ، ومن تسخير الجبال والطير ، وتسخير الجن والريح ، فوق الملك وخزائن الأرض والسلطان والمتاع .
وهما - مع هذا كله - بشر من البشر ؛ يدركهما ضعف البشر وعجز البشر ؛ فتتداركهما رحمة الله ورعايته ، وتسد ضعفهما وعجزهما ، وتقبل منهما التوبة والإنابة ، وتسدد خطاهما في الطريق إلى الله .
وجاء مع القصتين توجيه النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إلى الصبر على ما يلقاه من المكذبين ، والتطلع إلى فضل الله ورعايته كما تمثلهما قصة داود وقصة سليمان : ( اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب . . . )الخ . .
كذلك جاءت قصة أيوب تصور ابتلاء الله للمخلصين من عباده بالضراء . وصبر أيوب مثل في الصبر رفيع . وتصور حسن العاقبة ، وتداركه برحمة الله ، تغمره بفيضها ، وتمسح على آلامه بيدها الحانية . . وفي عرضها تأسية للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وللمؤمنين ، عما كانوا يلقونه من الضر والبأساء في مكة ؛ وتوجيه إلى ما وراء الابتلاء من رحمة ، تفيض من خزائن الله عندما يشاء .
وهذا القصص يستغرق معظم السورة بعد المقدمة ، ويؤلف الشوط الثاني منها .
كذلك تتضمن السورة رداً على استعجالهم بالعذاب ، وقولهم : ( ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ) . . فيعرض بها - بعد القصص - مشهد من مشاهد القيامة ، يصور النعيم الذي ينتظر المتقين . والجحيم التي تنتظر المكذبين . ويكشف عن استقرار القيم الحقيقية في الآخرة بين هؤلاء وهؤلاء . حين يرى الملأ المتكبرون مصيرهم ومصير الفقراء الضعاف الذين كانوا يهزأون بهم في الأرض ويسخرون ، ويستكثرون عليهم أن تنالهم رحمة الله ، وهم ليسوا من العظماء ولا الكبراء . وبينما المتقون لهم حسن مآب( جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ، متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب . وعندهم قاصرات الطرف أتراب ) . . فإن للطاغين لشر مآب( جهنم يصلونها فبئس المهاد . هذا فليذوقوه حميم وغساق ، وآخر من شكله أزواج ) . . وهم يتلاعنون في جهنم ويتخاصمون ، ويذكرون كيف كانوا يسخرون بالمؤمنين : ( وقالوا : ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار . أتخذناهم سخرياً أم زاغت عنهم الأبصار ? )فإنهم لا يجدونهم في جهنم . وقد عُرف أنهم هنالك في الجنان ! فهذا هو جواب ذلك الاستعجال والاستهزاء !
وهذا المشهد يؤلف الشوط الثالث في السورة .
كما يرد على استنكارهم لما يخبرهم به الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] من أمر الوحي . ويتمثل هذا الرد في قصة آدم في الملأ الأعلى . حيث لم يكن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] حاضراً ؛ إنما هو إخبار الله له بما كان ، مما لم يشهده - غير آدم - إنسان . . وفي ثنايا القصة يتبين أن الذي أردى إبليس ، وذهب به إلى الطرد واللعنة ، كان هو حسده لآدم - عليه السلام - واستكثاره أن يؤثره الله عليه ويصطفيه . كما أنهم هم يستكثرون على محمد [ صلى الله عليه وسلم ] أن يصطفيه الله من بينهم بتنزيل الذكر ؛ ففي موقفهم شبه واضح من موقف إبليس المطرود اللعين !
وتختم السورة بختام هذا الشوط الرابع والأخير فيها ؛ بقول النبي [ صلى الله عليه وسلم ] لهم : إن ما يدعوهم إليه لا يتكلفه من عنده ، ولا يطلب عليه أجراً ، وإن له شأناً عظيماً سوف يتجلى : ( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين . إن هو إلا ذكر للعالمين . ولتعلمن نبأه بعد حين ) . .
هذه الأشواط الأربعة التي تجري بموضوعات السورة هذا المجرى ؛ تجول بالقلب البشري في مصارع الغابرين ، الذين طغوا وتجبروا واستعلوا على الرسل والمؤمنين ، ثم انتهوا إلى الهزيمة والدمار والخذلان : ( جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب . كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد . وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب . إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب ) . .
تعرض على القلب البشري هذه الصفحة . صفحة الهزيمة والدمار والهلاك للطغاة المكذبين . ثم تعرض بإزائها صفحة العز والتمكين والرحمة والرعاية لعباد الله المختارين ، في قصص داود وسليمان وأيوب .
هذا وذلك في واقع الأرض . . ثم تطوف بهذا القلب في يوم القيامة وما وراءه من صور النعيم والرضوان . وصور الجحيم والغضب . حيث يرى لوناً آخر مما يلقاه الفريقان في دار البقاء . بعدما لقياه في دار الفناء . .
والجولة الأخيرة في قصة البشرية الأولى وقصة الحسد والغواية من العدو الأول ، الذي يقود خطى الضالين عن عمد وعن سابق إصرار . وهم غافلون .
كذلك ترد في ثنايا القصص لفتة تلمس القلب البشري وتوقظه إلى الحق الكامن في بناء السماء والأرض . وأنه الحق الذي يريد الله بإرسال الرسل أن يقره بين الناس في الأرض . فهذا من ذلك : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ) . . وهي لفتة لها في القرآن نظائر . وهي حقيقة أصيلة من حقائق هذه العقيدة التي هي مادة القرآن المكي الأصيلة . .
( ص . والقرآن ذي الذكر . بل الذين كفروا في عزة وشقاق . كم أهلكنا من قبلهم من قرن ، فنادوا ولات حين مناص ) . .
هذا الحرف . . ( صاد )يقسم به الله سبحانه كما يقسم بالقرآن ذي الذكر . وهذا الحرف من صنعة الله تعالى . فهو موجده . موجده صوتاً في حناجر البشر ؛ وموجده حرفاً من حروف الهجاء التي يتألف من جنسها التعبير القرآني . وهي في متناول البشر ولكن القرآن ليس في متناولهم لأنه من عند الله . وهو متضمن صنعة اللهالتي لا يملك البشر الإتيان بمثلها لا في القرآن ولا في غير القرآن . وهذا الصوت . . ( صاد ) . . الذي تخرجه حنجرة الإنسان ، إنما يخرج هكذا من هذه الحنجرة بقدرة الخالق المبدع ، الذي صنع الحنجرة وما تخرجه من أصوات . وما يملك البشر أن يصنعوا مثل هذه الحنجرة الحية التي تخرج هذه الأصوات ! وإنها لمعجزة خارقة لو كان الناس يتدبرون الخوارق المعجزة في كل جزئية من جزئيات كيانهم القريب ! ولو عقلوها ما دهشوا لوحي يوحيه الله لبشر يختاره منهم . فالوحي ليس أكثر غرابة من إيداع تكوينهم هذه الخصائص المعجزات !
والقرآن يشتمل الذكر كما يشتمل غيره من التشريع والقصص والتهذيب . . ولكن الذكر والاتجاه إلى الله هو الأول . وهو الحقيقة الأولى في هذا القرآن . بل إن التشريع والقصص وغيرهما إن هي إلا بعض هذا الذكر . فكلها تذكر بالله وتوجه القلب إليه في هذا القرآن . وقد يكون معنى ذي الذكر . أي المذكور المشهور . وهو وصف أصيل للقرآن :
( مكية كما روي عن ابن عباس وغيره وقيل مدنية وليس بصحيح كما قال الداني وهي ثمان وثمانون آية في الكوفي وست وثمانون في الحجازي والبصري والشامي وخمس وثمانون في عد أيوب بن المتوكل وحده قيل ولم يقل أحد إن ( ص ) وحدها آية كما قيل في غيرها من الحروف في أوائل السور وفيه بحث وهي كالمتممة لما قبلها من حيث أنه ذكر فيها ما لم يذكر في تلك من الأنبياء عليهم السلام كداود وسليمان ولما ذكر سبحانه فيما قبل عن الكفار أنهم قالوا ( لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين ) وأنهم كفروا بالذكر لما جاءهم بدأ عز وجل في هذه السورة بالقرآن ذي الذكر وفصل ما أجمل هناك من كفرهم وفي ذلك من المناسبة ما فيه ومن دقق النظر لاح مناسبات أخر والله تعالى الموفق .
{ ص } بالسكون على الوقف عند الجمهور ، وقرأ أبي . والحسن . وابن أبي إسحق وأبو السماء . وابن أبي عبلة . ونصر بن عاصم { صاد } بكسر الدال ؛ والظاهر أنه كسر لالتقاء الساكنين وهو حرف من حروف المعجم نحو { تَعْمَلُونَ ق } و { ن } .
وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه أمر من صادي أي عارض ، ومنه الصدى وهو ما يعارض الصوت الأول ويقابله بمثله في الأماكن الخالية والأجسام الصلبة العالية ، والمعنى عارض القرآن بعملك أي اعمل بأوامره ونواهيه ، وقال عبد الوهاب : أي أعرضه على عملك فانظر أين عملك من القرآن ، وقيل هو أمر من صادى أي حادث ، والمعنى حادث القرآن ، وهو رواية عن الحسن أيضاً وله قرب من الأول . وقرأ عيسى . ومحبوب عن أبي عمرو . وفرقة { صاد } بفتح الدار ، وكذا قرؤوا قاف ونون بالفتح فيهما فقيل هو لالتقاء الساكنين أيضاً طلباً للخفة ، وقيل هو حركة إعراب على أن { صاد } منصوب بفعل مضمر أي اذكر أو اقرأ صاد أو بفعل القسم بعد نزع الخافض لما فيه من معنى التعظيم المتعدي بنفسه نحو الله لأفعلن أو مجرور بإضمار حرف القسم ، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث بناء على أنه علم للسورة ، وقد ذكر الشريف أنه إذا اشتهر مسمى بإطلاق لفظ عليه يلاحظ المسمى في ضمن ذلك اللفظ وأنه بهذا الاعتبار يصح اعتبار التأنيث في الاسم . وقرأ ابن أبي إسحق في رواية { صاد } بالجر والتنوين ، وذلك إما لأن الثلاثي الساكن الوسط يجوز صرفه بل قيل إن الأرجح ، وإما لاعتبار ذلك اسماً للقرآن كما هو أحد الاحتمالات فيه فلم يتحقق فيه العلتان فوجب صرفه ، والقول بأن ذاك لكونه علماً لمعنى السورة لا للفظها فلا تأنيث فيه مع العلمية ليكون هناك علتان لا يخلو عن دغدغة . وقرأ ابن السميقع . وهرون الأعور . والحسن في رواية { صاد } بضم الدال ، وكأنه اعتبر اسماً للسورة وجعل خبر مبتدأ محذوف أي هذه صاد ، ولهم في معناه غير متقيدين بقراءة الجمهور اختلاف كاضرابه من أوائل السور ، فأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال : سئل جابر بن عبد الله وابن عباس عن { ص } فقالا : ما ندري ما هو ، وهو مذهب كثير في نظائره ، وقال عكرمة : سئل نافع بن الأزرق عبد الله بن عباس عن { ص } فقال : ص كان بحراً بمكة وكان عليه عرش الرحمن إذ لا ليل ولا نهار .
وقال ابن جبير : هو بحر يحيي الله تعالى به الموتى بين النفختين ، والله تعالى أعلم بصحة هذين الخبرين .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال { ص } صدق الله ، وأخرج ابن مردويه عنه أنه قال : { ص } يقول إني أنا الله الصادق ، وقال محمد بن كعب القرظي : هو مفتاح أسماء الله تالى صمد وصانع المصنوعات وصادق الوعد .
وقيل هو إراشة إلى صدور الكفار عن القرآن ، وقيل حرف مسرود على منهاج التحدي ، وجنح إليه غير واحد من أرباب التحقيق ، وقيل اسم للسورة وإليه ذهب الخليل . وسيبويه . والأكثرون ، وقيل اسم للقرآن وقيل غير ذلك باعتبار بعض القراآت كما سمعت عن قريب ، ومن الغريب أن المعنى صاد محمد صلى الله عليه وسلم قلوب الخلق واستمالها حتى آمنوا به ، ولعل القائل به اعتبره فعلاً ماضياً مفتوح الآخر أو ساكنه للوقف ، وأنا لا أقول به ولا أرتضيه وجهالً ، وهو على بعض هذه الأوجه لا حظ له من الإعراب ، وعلى بعضها يجوز أن يكون مقسماً به ومفعولاً لمضمر وخبر مبتدأ محذوف ، وعلى بعضها يتعين كونه مقسماً به ، وعلى بعض ما تقدم في القراءات يتأتى ما يتأتى مما لا يخفى عليك ، وبالجملة إن لم يعتبر مقسماً به فالواو في قوله سبحانه : { ص والقرءان ذِى } للقسم وإن اعتبر مقسماً به فهي للعطف عليه لكن إذا كان قسماً منصوباً على الحذف والإيصال يكون العطف عليه باعتبار المعنى والأصل ، ثم المغايرة بينهما قد تكون حقيقية كما إذا أريد بالقرآن كله و { بص } السورة أو بالعكس أو أريد { بص } البحر الذي قيل به فيما مر وبالقرآن كله أو السورة ، وقد تكون اعتبارية كما إذا أريد بكل السورة أو القرآن على ما قيل ، ولا يخفى ما تقتضيه الجزالة الخالية عن التكلف .
وضعف جعل الواو للقسم أيضاً بناء على قول جمع أن توارد قسمين على مقسم عليه واحد ضعيف ، والذكر كما أخرج ابن جرير عن ابن عباس الشرف ومه قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] أو الذكرى والموعظة للناس على ما روى عن قتادة . والضحاك ، أو ذكر ما يحتاج إليه في أمر الدين من الشرائع والأحكام وغيرها من أقاصيص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأخبار الأمم الدارجة والوعد والوعيد على ما قيل ، وجواب القسم قيل مذكور فقال الكوفيون . والزجاج : هو قوله تعالى : { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ الناس } [ ص : 64 ] وتعقبه الفراء بقوله : لا نجده مستقيماً لتأخر ذلك جداً عن القسم ، وقال الأخفش هو { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل } وقال قوم : { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ } [ ص : 6 ] وحذفت اللام أي لكم لما طال الكلام كما حذفت من { قَدْ أَفْلَحَ } [ الشمسِ : 9 ] بعد قوله تعالى : { والشمس } [ الشمس : 1 ] حكاه الفراء . وثعلب ، وتعقبه الطبرسي بأنه غلط لأن اللام لا تدخل على المفعول و { كَمْ } مفعول .
وقال أبو حيان : إن هذه الأقوال يجب إطراحها ، ونقل السمرقندي عن بعضهم أنه { بَلِ الذين كَفَرُواْ } [ ص : 2 ] الخ فإن { بَلِ } لنفي ما قبله وإثبات ما بعده فمعناه ليس الذين كفروا إلا في عزة وشقاق .
وجوز أن يريد هذا القائل أن { بَلِ } زائدة في الجواب أو ربط بها الجواب لتجريدها لمعنى الإثبات ، وقيل هو صاد إذ معناه صدق الله تعالى أو صدق محمد صلى الله عليه وسلم ونسب ذلك إلى الفراء . وثعلب ، وهو مبني على جواز تقدم جواب القسم واعتقاد أن { ص } تدل على ما ذكر ، ومع هذا في كون ص نفسه هو الجواب خفاء ، وقيل هو جملة هذه صاد على معنى السورة التي أعجزت العرب فكأنه : قيل هذه السورة التي أعجزت العرب والقرآن ذي الذكر وهذا كما تقول : هذا حاتم والله تريد هذا هو المشهور بالسخاء والله ، وهو مبني على جواز التقدم أيضاً ، وقيل هو محذوف فقدره الحوفي لقد جاءكم الحق ونحوه ، وابن عطية ما الأمر كما تزعمون ونحوه ، وقدره بعض المحققين ما كفر من كفر لخلل وجده ودل عليه بقوله تعالى : { بَلِ الذين } الخ ، وآخر إنه لمعجز ودل عليه ما في { ص } من الدلالة على التحدي بناء على أنه اسم حرف من حروف المعجم ذكر على سبيل التحدي والتنبيه على الإعجاز أو ما في أقسم بص أو هذه ص من الدلالة على ذلك بناء على أنه اسم للسورة أو أنه لواجب العمل به دل عليه { ص } بناء على كونه أمراً من المصاداة ، وقدره بعضهم غير ذلك ، وفي «البحر » ينبغي أن يقدر هنا ما أثبت جواباً للقسم بالقرآن في قوله تعالى : { يس والقرءان الحكيم إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين } [ يس : 1-3 ] .
ويقوى هذا التقدير ذكر النذارة هنا في قوله تعالى : { وَعَجِبُواْ أَن جَاءهُم مٌّنذِرٌ مّنْهُمْ } [ ص : 4 ] وهناك في قوله سبحانه : { لِتُنذِرَ قَوْماً } فالرسالة تتضمن النذارة والبشارة