في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَآۚ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّن طِينٖ لَّازِبِۭ} (11)

وبعد ذكر الملائكة . وذكر السماوات والأرض وما بينهما . وذكر الكواكب التي تزين السماء الدنيا . وذكر الشياطين المردة والقذائف التي تلاحقها . . يكلف الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] أن يسألهم أهم أشد خلقاً أم هذه الخلائق ? وإذا كانت هذه الخلائق أشد وأقوى ففيم يدهشون لقضية البعث ويسخرون منها ، ويستبعدون وقوعها ، وهي لا تقاس إلى خلق تلك الخلائق الكبرى :

فاستفتهم أهم أشد خلقاً أم من خلقنا ? إنا خلقناهم من طين لازب . بل عجبت ويسخرون . وإذا ذكروا لا يذكرون . وإذا رأوا آية يستسخرون : وقالوا : إن هذا إلا سحر مبين . أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنا لمبعوثون ? أو آباؤنا الأولون ? .

فاستفتهم واسألهم إذا كانت الملائكة والسماوات والأرض وما بينهما والشياطين والكواكب والشهب كلها من خلق الله . فهل خلقهم هم أشد وأصعب من خلق هذه الأكوان والخلائق ?

ولا ينتظر منهم جواباُ ، فالأمر ظاهر ؛ إنما هو سؤال الاستنكار والتعجيب من حالهم العجيب . وغفلتهم عما حولهم ، والسخرية من تقديرهم للأمور . ومن ثم يعرض عليهم مادة خلقهم الأولى . وهي طين رخو لزج من بعض هذه الأرض ، التي هي إحدى تلك الخلائق :

( إنا خلقناهم من طين لازب ) . .

فهم قطعاً ليسوا أشد خلقاً من تلك الخلائق ! وموقفهم إذن عجيب . وهم يسخرون من آيات الله ، ومن وعده لهم بالبعث والحياة . وسخريتهم هذه تثير العجب في نفس الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وهم في موقفهم سادرون :

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَآۚ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّن طِينٖ لَّازِبِۭ} (11)

قوله تعالى : { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ( 11 ) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ( 12 ) وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ ( 13 ) وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ( 14 ) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ ( 15 ) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ( 16 ) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ( 17 ) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ } .

استفتهم : من الاستفتاء وهو نوع من السؤال . والهمزة للاستفهام التقريري ؛ أي استخبرهم ، والضمير لمشركي قريش أو مكة . وقد عادل في هذا الاستفهام التقريري في القوة الأشدية بين خلْق المشركين المكذبين بيوم القيامة ، وخَلْق غيرهم من الأمم والجن والملائكة والأفلاك ، والأرضيين . وهو قوله : { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا } { أمْ } استفهام تقريري ثان ؛ أي هل هم أقوى خلْقا أو أصعب خلْقا وأشقه أم من خلقنا غيرهم من السماوات والأرض وما فيهما من أفلاك وأجرام وخلائق . وذلك رد لإنكارهم البعث ؛ فإن من هان عليه خلْق هذا الكون الهائل العجيب لم يصعب عليه خلق البشر وإعادة إحيائهم من التراب من جديد . وهو قوله : { إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ } واللازب : اللاصق ، من اللزوب وهو اللصوق والثبوت{[3939]}

والمعنى : لماذا يعجبون من البعث وإحيائهم كرة أخرى بعد الموت . فقد أنشأهم الله من التراب ولا يعزّ عليه إنشاؤهم ثانية من الترب ، ويستفاد من الآية أيضا : التنبيهُ على ضعف بني آدم ورخاوتهم ؛ لأنهم مصنوعون من الطين الرخو الطري فهم لا يوصفون بالصلابة والقوة .


[3939]:القاموس المحيط ص 172