السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَآۚ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّن طِينٖ لَّازِبِۭ} (11)

ولما كان المقصود الأعظم من القرآن إثبات الأصول الأربعة وهي الإلهيات والمعاد والنبوات وإثبات القضاء والقدر افتتح الله سبحانه هذه السورة بإثبات ما يدل على الصانع وعلى علمه وقدرته وحكمته ووحدانيته ، وهو خالق السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق والمغارب ، ثم فرع عليها إثبات الحشر والنشر والقيامة وهو أن من قدر على ما هو أشق وأصعب وجب أن يقدر على ما هو دونه ، وهو قوله تعالى : { فاستفتهم } أي : سل كفار مكة أن يفتوك بأن يبينوا لك ما تسألهم عنه من إنكارهم البعث وأصله من الفتوة وهي الكرم { أهم أشد } أي : أقوى وأشق وأصعب { خلقاً } أي : من جهة إحكام الصنعة وقوتها وعظمها { أم من خلقنا } أي : من الملائكة والسماوات والأرض وما بينهما والمشارق والكواكب والشهب الثواقب .

تنبيه : في الإتيان بمن تغليب للعقلاء وهو استفهام بمعنى التقرير أي : هذه الأشياء أشد خلقاً كقوله تعالى { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس } ( غافر : 57 )

وقوله تعالى { أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها } ( النازعات : 27 ) وقيل : معنى أم من خلقنا أي : من الأمم الماضية ؛ لأن لفظ من يذكر لمن يعقل ؛ والمعنى : أن هؤلاء الأمم ليسوا بأحكم خلقاً من غيرهم من الأمم الخالية وقد أهلكناهم بذنوبهم فمن الذي يؤمن هؤلاء من العذاب { إنا خلقناهم } أي : أصلهم آدم بعظمتنا { من طين } أي : تراب رخو مهين { لازب } أي : شديد اختلاط بعضه ببعض فالتصق وخمر بحيث يعلق باليد وقال مجاهد والضحاك : منتن فهو مخلوق من غير أب ولا أم .