فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَآۚ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّن طِينٖ لَّازِبِۭ} (11)

{ فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب( 11 )بل عجبت ويسخرون( 12 )وإذا ذكروا لا يذكرون( 13 )وإذا رأوا آية يستسخرون( 14 )وقالوا إن هذا إلا سحر مبين( 15 )أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون( 16 )أو آباؤنا الأولون( 17 )قل نعم وأنتم داخرون( 18 )فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون( 19 )وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين( 20 )هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون( 21 )* } .

{ فاستفتهم } فاستخبرهم .

{ لازب } ملتزق ملتصق .

هدت الآيات التي في أول السورة إلى بصائر فيها من برهان التوحيد ، فإن رب الملائكة ومطاعها ومعبودها ، ورب السماوات ورافعها ، ومزينها وحافظها ومجري كواكبها ، ورب الأرض وما فيها ومن فيها من جن وإنس وخلق إنه إله واحد لا يعبد بحق سواه ، وهذه الآيات تسوق الحجة على منكري البعث ، { فاستفتهم } استخبرهم وسلهم سؤال المنكر عليهم جحودهم { أهم أشد خلقا أم من خلقنا } أهم أصعب تكوينا وإيجادا ، وأعسر إنشاء وإبداعا ممن بدأناهم وخلقناهم من مخلوقاتنا العظيمة ؟ ! كلا ! فكم من خلق لله البارئ المصور ، فاطر الكون لو تفكرنا في عجيب صنع الله فيه لتبين لنا أن أمر بني البشر بجانب ما برأ سبحانه وذرأ هين ويسير ، وصدق الله العظيم : { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون }{[3900]} .

{ إنا خلقناهم من طين لازب( 11 ) } إنا بدأنا خلق أبيهم آدم من طين متخمر لازب يلزق ، فهل من هذا بدء خلقهم يستبعد جمع أجزاء أجسامهم يوم بعثهم ؟ { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم }{[3901]} ، -والفاء فصيحة ، أي : إذا كان لنا من المخلوقات ما سمعت . . فاستخبر مشركي مكة واسألهم على سبيل التبكيت : { أهم أشد خلقا } أي : أقوى خلقة ، وأمتن بنية ؟ . . . { أم من خلقنا } من الملائكة والسماوات والأرض وما بينهما والمشارق والكواكب ، والشياطين والشهب الثواقب . . . وغلب العقلاء على غيرهم . . . وأيا ما كان فخلقهم من طين لازب . . شهادة عليهم بالضعف والرخاوة ، لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة . . -{[3902]} .


[3900]:سورة غافر.الآية57.
[3901]:سورة الروم الآية 27.
[3902]:ما بين العارضتين من روح المعاني.