فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَآۚ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّن طِينٖ لَّازِبِۭ} (11)

{ فَاسْتَفْتِهِمْ } أي اسأل الكفار المنكرين للبعث { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا } ؟ وأقوى أجساما وأعظم أعضاء وأمتن بنية وأشق إيجادا وأصعب خلقا { أَم مَّنْ خَلَقْنَا } من السموات والأرض والجبال والملائكة ؟ قال الزجاج : المعنى فاسألهم سؤال تقرير أهم أحكم صنعة ؟ أم من خلقنا قبلهم ممن قبلهم من الأمم السالفة ؟ يريد أنهم ليسوا بأحكم خلقا من غيرهم من الأمم وقد أهلكناهم بالتكذيب فما الذي يؤمنهم من العذاب . قرئ : أم من خلقنا بتشديد الميم وهي أم المتصلة عطفت من على هم وقرئ بتخفيفها وهو استفهام ثان فالهمزة للاستفهام أيضا ، ومن مبتدأ وخبره محذوف أي الذين خلقناهم أشد فهما جملتان مستقلتان ، وغلب من يعقل على غيره فلذلك أتى ب ( من ) قاله السمين وتكتب ( أم ) مفصولة من ( من ) في هذا الموضع ثم ذكر خلق الإنسان فقال :

{ إِنَّا خَلَقْنَاهُم } أي في ضمن خلق أبيهم آدم { مِّن طِينٍ لازِبٍ } أي لاصق . يقال : لزب يلزب لزوبا إذا لصق من باب دخل ، وقال قتادة وابن زيد : اللازب اللاصق ، وقال عكرمة : اللازب اللزج ، وقال سعيد ابن جبير : اللازب الجيد الذي يلصق باليد ، وقال مجاهد : هو اللازم والعرب تقول : طين لازب ولازم تبدل الباء من الميم واللازم الثابت كما يقال : صار الشيء ضربة لازب ومنه قول النابغة :

لا تحسبون الخير لا شر بعده ***

ولا تحسبون الشر ضربة لازب

وحكى الفراء عن العرب طين لاتب بمعنى لازم ؛ واللاتب الثابت ، قال الأصمعي : واللاتب اللاصق مثل اللازب ، والمعنى في الآية أن هؤلاء كيف يستبعدون المعاد وهم مخلوقون من هذا الخلق الضعيف ، ولم ينكره من هو مخلوق خلقا أقوى منهم وأعظم وأكمل وأتم ، وقيل : إن اللازب هو المنتن قاله مجاهد والضحاك .

قيل وقد قرئ لازم ولاتب ولا أدري من قرأ بذلك ، قال ابن عباس : لازب ملتصق ، وقال : اللزج الجيد ، وقال اللازب والحمأ والطين واحد ، كان أوله ترابا ، ثم صار حمأ منتنا ، ثم صار طينا لازبا فخلق الله منه آدم .

وعن ابن مسعود : اللازب الذي يلصق بعضه إلى بعض . والآية تشهد عليهم بالضعف لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة ، أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب – الذي خلقوا منه – تراب فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله ؟ حيث قالوا : أئذا كنا ترابا ، وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث ، والغرض من هذا السياق إثبات المعاد والرد عليهم في دعوى استحالته ،