البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَآۚ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّن طِينٖ لَّازِبِۭ} (11)

اللازب : اللازم ما جاوره واللاصق به .

الاستفتاء نوع من السؤال ، والهمزة ، وإن خرجت إلى معنى التقرير ، فهي في الأصل لمعنى الاستفهام ، أي فاستخبرهم ، والضمير لمشركي مكة .

وقيل : نزلت في أبي الأشد بن كلدة ، وكني بذلك لشدة بطشه وقوته .

وعادل في هذا الاستفهام التقريري في الأشدية بينهم وبين من خلق من غيرهم من الأمم والجن والملائكة والأفلاك والأرضين .

وفي مصحف عبد الله : أم من عددنا ، وهو تفسير لمن خلقنا ، أي من عددنا من الصافات وما بعدها من المخلوقين .

وغلب العاقل على غيره في قوله : { من خلقنا } ، واقتصر على الفاعل في { خلقنا } ، ولم يذكر متعلق الخلق اكتفاء ببيان ما تقدمه ، وكأنه قال : أم من خلقنا من غرائب المصنوعات وعجائبها .

وقرأ الأعمش : أمن بتخفيف الميم دون أم ، جعله استفهاماً ثانياً تقريراً أيضاً ، فهما جملتان مستقلتان في التقرير ، ومن مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره أشد .

فعلى أم من هو تقرير واحد ونظيره : { أأنتم أشد خلقاً أم السماء } قال الزمخشري : وأشد خلقاً يحتمل أقوى خلقاً ، من قولهم : شديد الخلق ، وفي خلقه شدة ، وأصعب خلقاً .

وأشد خلقاً وأشقه يحتمل أقوى خلقاً من قولهم : شديد الخلق ، وفي خلقه شدة ، على معنى الرد ، لإنكارهم البعث والنشأة الأخرى .

وإن من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ، ولم يصعب عليه اختراعها ، كان خلق الشر عليه أهون .

وخلقهم من طين لازب ، إما شهادة عليهم بالضعف والرخاوة ، لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة ؛ أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب .

فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله ؟ قالوا : { أئذا كنا تراباً } ، وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث . انتهى .

والذي يظهر الاحتمال الأول .

وقيل : { أم من خلقنا } من الأمم الماضية ، كقوله : { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشاً } وقوله : { وكانوا أشد منكم قوة } وأضاف : الخلق من الطين إليهم ، والمخلوق منه هو أبوهم آدم ، إذ كانوا نسله .

وقال الطبري : خلق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء ، وهذا كله إذا خلط صار طيناً لازباً يلزم ما جاوره .

وعن ابن عباس : اللازب بالجر ، أي الكريم الجيد .