الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَآۚ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّن طِينٖ لَّازِبِۭ} (11)

الهمزة وإن خرجت إلى معنى التقرير فهي بمعنى الاستفهام في أصلها ، فلذلك قيل : { فاستفتهم } أي استخبرهم { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } ولم يقل : فقرّرهم والضمير لمشركي مكة . قيل : نزلت في أبي الأشد بن كلدة ، وكني بذلك لشدّة بطشه وقوّته { أَم مَّنْ خَلَقْنَا } يريد : ما ذكر من خلائقه : من الملائكة ، والسموات والأرض ، والمشارق ، والكواكب ، والشهب الثواقب ، والشياطين المردة ، وغلب أولي العقل على غيرهم ، فقال : من خلقنا ، والدليل عليه قوله بعد عدّ هذه الأشياء : { فاستفتهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا } بالفاء المعقبة . وقوله : { أَم مَّنْ خَلَقْنَا } مطلقاً من غير تقييد بالبيان ، اكتفاء ببيان ما تقدّمه ، كأنه قال : خلقنا كذا وكذا من عجائب الخلق وبدائعه ، فاستفتهم أهم أشدّ خلقاً أم الذي خلقناه من ذلك ، ويقطع به قراءة من قرأ : «أم من عددنا » بالتخفيف والتشديد . و«أشدّ خلقاً » : يحتمل أقوى خلقاً من قولهم : شديد الخلق . وفي خلقه شدّة ، وأصعب خلقاً وأشقّه ، على معنى الردّ لإنكارهم البعث والنشأة الأخرى ، وأنّ من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر عليه أهون . وخلقهم { مّن طِينٍ لاَّزِبٍ } إما شهادة عليهم بالضعف والرخاوة لأنّ ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوّة ، أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب ، فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله حيث قالوا : { أئذا كنا تراباً } [ الرعد : 5 ] . وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث . وقيل : من خلقنا من الأمم الماضية ، وليس هذا القول بملائم . وقرىء : «لازب » و« لاتب » ، والمعنى واحد ، والثاقب : الشديد الإضاءة .