فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَآۚ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّن طِينٖ لَّازِبِۭ} (11)

{ فاستفتهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا } أي اسأل الكفار المنكرين للبعث أهم أشدّ خلقاً ، وأقوى أجساماً ، وأعظم أعضاء ، أم من خلقنا من السماوات والأرض والملائكة ؟ قال الزجاج : المعنى فاسألهم سؤال تقرير أهم أشدّ خلقاً ، أي أحكم صنعة أم من خلقنا قبلهم من الأمم السالفة ؟ يريد أنهم ليسوا بأحكم خلقاً من غيرهم من الأمم ، وقد أهلكناهم بالتكذيب فما الذي يؤمنهم من العذاب ؟ ثم ذكر خلق الإنسان ، فقال : { إِنَّا خلقناهم مّن طِينٍ لاَّزِبٍ } أي إنا خلقناهم في ضمن خلق أبيهم آدم من طين لازب ، أي لاصق ، يقال : لزب يلزب لزوباً : إذا لصق . وقال قتادة ، وابن زيد : اللازب : اللازق . وقال عكرمة : اللازب : اللزج . وقال سعيد بن جبير : اللازب : الجيد الذي يلصق باليد . وقال مجاهد : هو اللازم ، والعرب تقول : طين لازب ، ولازم تبدل الباء من الميم ، واللازم : الثابت كما يقال : صار الشيء ضربة لازب ، ومنه قول النابغة :

ولا تحسبون الخير لا شرّ بعده *** ولا تحسبون الشرّ ضربة لازب

وحكى الفراء عن العرب : طين لاتب بمعنى : لازم ، واللاتب الثابت . قال الأصمعي : واللاتب اللاصق مثل اللازب . والمعنى في الآية : أن هؤلاء كيف يستبعدون المعاد ، وهم مخلقون من هذا الخلق الضعيف ، ولم ينكره من هو مخلوق خلقاً أقوى منهم ، وأعظم وأكمل وأتمّ . وقيل اللازب هو المنتن قاله مجاهد والضحاك . قرأ الجمهور { أم من خلقنا } بتشديد الميم ، وهي : أم المتصلة ، وقرأ الأعمش بالتخفيف ، وهو استفهام ثان على قراءته . قيل : وقد قرئ لازم ولاتب ، ولا أدري من قرأ بذلك .

/خ19