هذا النموذج من بني إسرائيل - فيما يبدو من مجموع هذه الآيات - كانوا يتلمسون في كتاب الله الجمل ذات التعبير المجازي ؛ فيلوون السنتهم بها - أي في تأويلها واستخراج مدلولات منها هي لا تدل عليها بغير ليها وتحريفها - ليوهموا الدهماء أن هذه المدلولات المبتدعة هي من كتاب الله ؛ ويقولون بالفعل : هذا ما قاله الله ، وهو ما لم يقله - سبحانه - وكانوا يهدفون من هذا إلى إثبات الوهية عيسى عليه السلام ومع " روح القدس " . . وذلك فيما كانوا يزعمون من الأقانيم : الأب والابن والروح القدس . باعتبارها كائنا واحدا هو الله - تعالى الله عما يصفون - ويروون عن عيسى - عليه السلام - كلمات تؤيد هذا الذي يدعونه ، فرد الله عليهم هذا التحريف وهذا التأويل ، بأنه ليس من شأن نبي يخصه الله بالنبوة ويصطفيه لهذا الأمر العظيم أن يأمر الناس أن يتخذوه إلها هو والملائكة . فهذا مستحيل :
( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ، ثم يقول للناس : كونوا عبادا لي من دون الله . ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون . ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ؟ )
إن النبي يوقن أنه عبد ، وأن الله وحده هو الرب ، الذي يتجه إليه العباد بعبوديتهم وبعبادتهم . فما يمكن أن يدعي لنفسه صفة الألوهية التي تقتضي من الناس العبودية . فلن يقول نبي للناس : ( كونوا عبادا لي من دون الله ) . . ولكن قوله لهم : ( كونوا ربانيين ) . . منتسبين إلى الرب ، عبادا له وعبيدا ، توجهوا إليه وحده بالعبادة ، وخذوا عنه وحده منهج حياتكم ، حتى تخلصوا له وحده فتكونوا( ربانيين ) . . كونوا( ربانيين )بحكم علمكم للكتاب وتدارسكم له . فهذا مقتضى العلم بالكتاب ودراسته .
وقوله تعالى : { ما كان لبشر } معناه لأحد من الناس ، والبشر اسم جنس يقع للكثير والواحد ولا مفرد له من لفظه ، وهذا الكلام لفظه النفي التام كقول أبي بكر رضي الله عنه : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم{[3273]} ، وإنما يعلم مبلغها من النفي بقرينة الكلام الذي هي فيه ، كقوله تعالى : { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله }{[3274]} وقوله تعالى : { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها }{[3275]} فهذا منتف عقلاً ، وأما آيتنا هذه فإن النفي على الكمال لأنّا نقطع أن الله تعالى لا يؤتي النبوة للكذبة والمدعين ، و{ الكتاب } في هذه الآية اسم جنس ، و{ الحكم } بمعنى الحكمة ، ومنه قول النبي عليه السلام : ( إن من الشعر لحكماً ) {[3276]} ، و{ ثم } في قوله تعالى : { ثم يقول } معطية تعظيم الذنب في القول ، بعد مهلة من هذا الإنعام ، وقوله { عباداً } هو جمع عبد ، ومن جموعه عبيد وعبدى{[3277]} ، قال بعض اللغويين ، وهذه الجموع بمعنى ، وقال قوم ، العباد لله ، العبيد والعبدى للبشر ، وقال قوم : العبدى ، إنما تقال في العبيد بني العبيد ، وكأنه بناء مبالغة ، تقتضي الإغراق في العبودية .
قال القاضي أبو محمد : والذي استقريت في لفظة العباد ، أنه جمع عبد متى سيقت اللفظة في مضمار الترفيع والدلالة على الطاعة دون أن يقترن بها معنى التحقير وتصغير الشأن وانظر قوله تعالى : { والله رؤوف بالعباد } [ البقرة : 207 ] [ آل عمران : 30 ] و { عباد مكرمون } [ الأنبياء : 26 ] { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله }{[3278]} وقول عيسى في معنى الشفاعة والتعريض لرحمة الله { إن تعذبهم فإنهم عبادك }{[3279]} فنوه بهم ، وقال بعض اللغويين : إن نصارى الحيرة وهم عرب لما أطاعوا كسرى ودخلوا تحت أمره سمتهم العرب العباد فلم ينته بهم إلى اسم العبيد ، وقال قوم بل هم قوم من العرب من قبائل شتى اجتمعوا وتنصروا وسموا أنفسهم العباد كأنه انتساب إلى عبادة الله ، وأما العبيد فيستعمل في تحقير ، ومنه قول امرىء القيس : [ السريع ] .
قُولا لِدُوَدان عبيدِ العَصَى . . . مَا غَرَّكُمْ بالأَسَد الباسلِ{[3280]}
ومنه قول حمزة بن عبد المطلب : وهل أنتم إلا عبيد لأبي " {[3281]} ؟ ومنه قول الله تعالى : { وما ربك بظلاّم للعبيد }{[3282]} لأنه مكان تشفيق وإعلام بقلة انتصارهم ومقدرتهم ، وأنه تعالى ليس بظلاّم لهم مع ذلك ، ولما كانت لفظة العباد تقتضي الطاعة لم تقع هنا ، ولذلك أنس بها في قوله تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم }{[3283]} .
قال الإمام أبو محمد : فهذا النوع من النظر يسلك به سبل العجائب في ميزة فصاحة القرآن العزيز على الطريقة العربية السليمة ، ومعنى قوله :
{ كونوا عباداً لي من دون الله } اعبدوني واجعلوني إلهاً .
واختلف المفسرون إلى من هي الإشارة بقوله تعالى : { ما كان لبشر } فقال النقاش وغيره : الإشارة إلى عيسى عليه السلام ، والآية رادة على النصارى الذين قالوا : عيسى إله ، وادعوا أن عبادته هي شرعة ومستندة إلى أوامره ، وقال ابن عباس والربيع وابن جريج وجماعة من المفسرين : بل الإشارة إلى محمد عليه السلام ، وسبب نزول الآية ، أن أبا رافع القرظي ، قال للنبي صلى الله عليه وسلم ، حين اجتمعت الأحبار من يهود والوفد من نصارى نجران : يا محمد إنما تريد أن نعبدك ونتخذك إلهاً كما عبدت النصارى عيسى ، فقال الرئيس من نصارى نجران : أو ذلك تريد يا محمد وإليه تدعونا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( معاذ الله ما بذلك أمرت ، ولا إليه دعوت ){[3284]} ، فنزلت الآية ، في ذلك ، قال بعض العلماء : أرادت الأحبار أن تلزم هذا القول محمداً صلى الله عليه وسلم ، لما تلا عليهم { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني } [ آل عمران : 31 ] وإنما معنى الآية ، فاتبعوني فيما أدعوكم إليه من طاعة الله ، فحرفوها بتأويلهم ، وهذا من نوع ليِّهم الكتاب بألسنتهم ، وقرأ جمهور القراء «ثم يقولَ » بالنصب ، وروى شبل{[3285]} عن ابن كثير ومحبوب{[3286]} عن أبي عمرو «ثم يقولُ » برفع اللام وهذا على القطع وإضمار مبتدأ ، وقرأ عيسى بن عمر ، «عباداً ليَ » بتحريك الياء مفتوحة .
{ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّنِيِّنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ }
المعنى { ولكن } يقول : { كونوا ربانيين } وهو جمع رباني ، واختلف النحاة في هذه النسبة ، فقال قوم : هو منسوب إلى الرب من حيث هو عالم علمه ، العامل بطاعته ، المعلم للناس ما أمر به ، وزيدت الألف والنون مبالغة كما قالوا ، لحياني وشعراني في النسبة إلى اللحية والشعر ، وقال قوم الرباني منسوب إلى الربان وهو معلم الناس ، وعالمهم السائس لأمرهم ، مأخوذ من رب يرب إذا أصلح وربى ، وزيدت فيه هذه النون كما زيدت في غضبان وعطشان ، ثم نسب إليه رباني ، واختلف العلماء في صفة من يستحق أن يقال له رباني ، فقال أبو رزين{[3287]} : الرباني : الحكيم العالم ، وقال مجاهد : الرباني الفقيه ، وقال قتادة وغيره : الرباني العالم الحليم ، وقال ابن عباس : هو الحكيم الفقيه ، وقال الضحاك : هو الفقيه العالم ، وقال ابن زيد : الرباني والي الأمر ، يرب الناس أي يصلحهم ، فالربانيون الولاة والأحبار والعلماء ، وقال مجاهد : الرباني فوق الحبر لأن الحبر هو العالم والرباني هو الذي جمع إلى العلم والفقه البصر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية وما يصلحهم في دينهم ودنياهم ، وفي البخاري : الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره .
قال الفقيه أبو محمد : فجملة ما يقال في الرباني إنه العالم بالرب والشرع المصيب في التقدير من الأقوال والأفعال التي يحاولها في الناس ، وقوله
{ بما كنتم } معناه : بسبب كونكم عالمين دارسين ، فما مصدرية ، ولا يجوز أن تكون موصولة ، لأن العائد الذي كان يلزم لم يكن بد أن يتضمنه : { كنتم تعلمون } ، ولا يصح شيء من ذلك لأن «كان » قد استوفت خبرها ظاهراً ، وهو { تعلمون } وكذلك { تعلمون } قد استوفى مفعوله وهو { الكتاب } ظاهراً ، فلم يبق إلا أن { ما } مصدرية ، إذ لا يمكن عائد ، و { تعلمون } بمعنى تعرفون ، فهي متعدية إلى مفعول واحد ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو : «تعْلمون » بسكون العين ، وتخفيف اللام ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «تُعلِّمون » مثقلاً ، بضم التاء وكسر اللام ، وهذا على تعدية الفعل بالتضعيف ، والمفعول الثاني على هذه القراءة محذوف ، تقديره : تعلمون الناس الكتاب .
قال الفقيه الإمام : والقراءتان متقاربتا المعنى ، وقد رجحت قراءة التخفيف بتخفيفهم { تدرسون } وبأن العلم هو العلة التي توجب للموفق من الناس أن يكون ربانياً ، وليس التعليم شرطاً في ذلك ، ورجحت الأخرى بأن التعليم يتضمن العلم ، والعلم لا يتضمن التعليم ، فتجيء قراءة التثقيل أبلغ في المدح .
قال الفقيه الإمام : ومن حيث العالم بحال من يعلم ، فالتعليم كأنه في ضمن العلم ، وقراءة التخفيف عندي أرجح ، وقرأ مجاهد والحسن «تَعَلَّمون » بفتح التاء والعين ، وشد اللام المفتوحة ، وقرأ جمهور الناس ، «تدرُسون » بضم الراء ، من درس إذا أدمن قراءة الكتاب وكرره ، وقرأ أبو حيوة «تدرِسون » بكسر الراء ، وهذا على أنه يقال في مضارع درس ، يدرُس ويدرِس وروي عن أبي حيوة ، أنه قرأ «تُدرِّسون » بضم التاء ، وكسر الراء وشدها ، بمعنى تدرسون غيركم .
اعتراض واستطراد : فإنه لما ذكر لَيّ اليهودِ ألسنتَهم بالتوراة ، وهو ضرب من التحريف ، استطرد بذكر التحريف الذي عند النصارى لمناسبة التشابه في التحريف إذ تقَوّل النصارى على المسيح أنه أمرهم بعبادته فالمراد بالبشر عيسى عليه السلام ، والمقصود تنزيه عيسى عن أن يكون قال ذلك ، ردّاً على النصارى ، فيكون رجوعاً إلى الغرض الذي في قوله : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء إلى قوله بأنا مسلمون } [ آل عمران : 64 ] .
وفي « الكشاف » قيل نزلت لأنّ رجلاً قال : يا رسول الله نُسلمُ عليك كما يُسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك . قال : " لا ينبغي أن يُسجد لأحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيئكم واعرِفوا الحق لأهله " قلت : أخرجه عبد بن حميد عن الحسن ، فعلى تقدير كونه حديثاً مقبولاً فمناسبة ذكر هذه الآية أنها قص منها الردّ على جميع هذه المعتقدات . ووقع في أسباب النزول للواحدي مِن رواية الكلبي ، عن ابن عباس : أنّ أبا رافع اليهودي والسيدَ مِن نصارى نجران قالا يا محمد : « أتريد أن نعبدك » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " معاذ الله أن يُعبد غير الله " ونزلت هذه الآية .
وقوله : { ما كان لبشر } نفي لاستحقاق أحد لذلك القول واللام فيه للاستحقاق . وأصل هذا التركيب في الكلام ما كان فُلان فاعلاً كذا ، فلما أريدت المبالغة في النفي عدل عن نفي الفعل إلى نفي المصدر الدال على الجنس ، وجعل نفي الجنس عن الشخص بواسطة نفي الاستحقاق إذ لا طريقة لِحمل اسم ذات على اسم ذات إلاّ بواسطة بعض الحروف ، فصار التركيب : ما كان له أن يفعل ، ويقال أيضاً : ليس له أن يفعل ، ومثل ذلك في الإثبات كقوله تعالى : { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى } [ طه : 118 ] .
فمعنى الآية : ليس قولُ { كونوا عباداً لي } حقاً لبشر أيِّ بشر كان . وهذه اللام هي أصل لام الجحود التي في نحو { وما كان الله ليعذّبهم } [ الأنفال : 33 ] ، فتراكيب لام الجحود كلّها من قبيل قلب مثل هذا التركيب لقصد المبالغة في النفي ، بحيث ينفي أن يكون وجود المسند إليه مجعولاً لأجل فِعْل كذا ، أي فهو بريء منه بأصل الخلقة ولذلك سميت جحوداً .
والمنفي في ظاهر هذه الآية إيتاء الحكم والنبوءة ، ولكن قد علم أنّ مصبّ النفي هو المعطوف من قوله : { ثم يقول للناس كونوا عباداً لي } أي ما كان له أن يقول كونوا عباداً لي إذا آتاه الله الكتاب إلخ .
والعباد جمع عبد كالعبيد ، وقال ابن عطية : « الذي استقريت في لفظ العباد أنه جمع عبد لا يقصد معه التحقير ، والعبيد يقصد منه ، ولذلك قال تعالى : « يا عبادي » وسمّت العرب طوائف من العرب سكنوا الحِيرة ودخلوا تحت حكم كِسرى بالعباد ، وقيل لأنهم تنصّروا فسموْهم بالعباد ، بخلاف جمعه على عَبيد كقولهم : هم عبيد العَصا ، وقال حمزةُ بنُ المطلب هل أنتم إلاّ عبيدٌ لأبي ومنه قول الله تعالى : { وما ربك بظلام للعبيد } [ فصلت : 46 ] ؛ لأنّه مكان تشفيق وإعْلام بقلة مقدرتهم وأنه تعالى ليس بظلاّم لهم مع ذلك ، ولما كان لفظة العباد تقتضي الطاعة لم تقع هنا ، ولذلك آنس بها في قوله تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } [ الزمر : 53 ] فهذا النوع من النظر يُسلك به سُبل العجائب في ميزة فصاحة القرآن على الطريقة العربية السلبية » . اهـ .
وقوله : { من دون الله } قيد قصد منه تشنيع القول بأن يكونوا عباداً للقائل بأنّ ذلك يقتضي أنهم انسلخوا عن العبودية لله تعالى إلى عبودية البشر ، لأنّ حقيقة العبودية لا تقبل التجزئة لمعبودين ، فإنّ النصارى لما جعلوا عيسى ربّاً لهم ، وجعلوه ابناً للَّه ، قد لزمهم أنهم انخلعوا عن عبودية الله فلا جدوى لقولهم : نحن عبد الله وعبيدُ عيسى ، فلذلك جعلت مقالتُهم مقتضية أنّ عيسى أمرهم بأن يكونوا عباداً له دون الله ، والمعنى أنّ لآمِر بأن يكون الناس عباداً له هو آمر بانصرافهم عن عبادة الله . { ولكن كونوا ربانيين } أي ولكن يقول كونوا ربانيين أي كونوا منسوبين للربّ ، وهو الله تعالى ، لأنّ النسب إلى الشيء إنما يَكون لمزيد اختصاص المنسوب بالمنسوب إليه .
ومعنى ذلك أن يَكونوا مخلصين لله دون غيره .
والربّاني نسبة إلى الرب على غير قياس كما يقال اللِّحياني لعظيم اللحية ، والشَّعراني لكثير الشعرَ .
وقوله : { بما كنتم تعلمون الكتاب } أي لأنّ علمكم الكتاب من شأنه أن يصدّكم عن إشراك العبادة ، فإنّ فائدة العلم العمل .
وقرأ الجمهور : بما كنتم تعلمون بفتح المثناة الفوقية وسكون العين وفتح اللام مضارع عَلِم . وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وخلف : بضم ففتح فلاممٍ مشدّدة مكسورة مضارع عَلَّم المضاعف .
{ وتدرسون } معناه تقرؤون أي قراءة بإعادة وتكرير : لأنّ مادّة درس في كلام العرب تحوم حول معاني التأثر من تكرّر عمل يُعمل في أمثاله ، فمنه قولهم : دَرَسَت الريحُ رسمَ الدار إذا عفته وأبلته ، فهو دارس ، يقال منزل دارس ، والطريق الدارس العافي الذي لا يتبين . وثوْب دارس خَلَقٌ ، وقالوا : دَرَس الكتاب إذا قرأه بتمهّل لحفظه ، أو للتدبّر ، وفي الحديث : " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلاّ نزلت عليهم السكينة إلخ " رواه الترمذي فعطَفَ التدارس على القراءة فعُلم أنّ الدراسة أخصّ من القراءة . وسموا بيت قراءة اليهود مِدْرَاساً كما في الحديث : إنّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج في طائفة من أصحابه حتى أتى مدراس اليهود فقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلخ . ومادة درس تستلزم التمكن من المفعول فلذلك صار درس الكتاب مجازاً في فهمه وإتقانه ولذلك عطف في هذه الآية { وبما كنتم تدرسون } على { بما كنتم تعلمون الكتاب } .
وفعله من باب نصر ، ومصدره في غالب معانيه الدرس ، ومصدر درس بمعنى قرأ يجيء على الأصل دَرْساً ومنه سمي تعليم العِلم درساً .
ويجيء على وزن الفِعالة دِراسة وهي زنة تدل على معالجة الفعل ، مثل الكتابة والقراءة ، إلحاقاً لذلك بمصادر الصناعات كالتجارة والخياطة .