في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَايَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَيَهۡدِيَكُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (20)

18

وبعد ذلك التبليغ العلوي الكريم للرسول الأمين عن المؤمنين المبايعين يتجه بالحديث إلى المؤمنين أنفسهم . الحديث عن هذا الصلح ، أو عن هذا الفتح ، الذي تلقوه صابرين مستسلمين :

( وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ، فعجل لكم هذه ، وكف أيدي الناس عنكم ، ولتكون آية للمؤمنين ، ويهديكم صراطا مستقيما . وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ، وكان الله على كل شيء قديرا ) . .

وهذه بشرى من الله للمؤمنين سمعوها وأيقنوها ، وعلموا أن الله أعد لهم مغانم كثيرة ، وعاشوا بعد ذلك

ما عاشوا وهم يرون مصداق هذا الوعد الذي لا يخلف . وهنا يقول لهم : إنه قد عجل لهم هذه . وهذه قد تكون صلح الحديبية - كما روي عن ابن عباس - لتأكيد معنى أنه فتح ومغنم . وهو في حقيقته كذلك كما أسلفنا من قول رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومن وقائع الحال الناطقة بصدق هذا الاعتبار . كما أنها قد تكون فتح خيبر - كما روي عن مجاهد - باعتبار أنها أقرب غنيمة وقعت بعد الحديبية . والأول أقرب وأرجح .

ويمن الله عليهم بأنه كف أيدي الناس عنهم . وقد كف الله عنهم أيدي المشركين من قريش كما كف أيدي سواهم من أعدائهم الذين يتربصون بهم الدوائر . وهم قلة على كل حال ، والناس كثرة . ولكنهم وفوا ببيعتهم ، ونهضوا بتكاليفهم ، فكف الله أيدي الناس عنهم ، وأمنهم .

( ولتكون آية للمؤمنين ) . . هذا الوقعة التي كرهوها في أول الأمر ، وثقلت على نفوسهم . فالله ينبئهم أنها ستكون آية لهم ، يرون فيها عواقب تدبير الله لهم ، وجزاء طاعتهم لرسول الله واستسلامهم . مما يثبت في نفوسهم أنها شيء عظيم ، وخير جزيل ، ويلقي السكينة في قلوبهم والاطمئنان والرضى واليقين .

( ويهديكم صراطا مستقيما ) . . جزاء طاعتكم وامتثالكم وصدق سريرتكم . وهكذا يجمع لهم بين المغنم ينالونه ، والهداية يرزقونها . فيتم لهم الخير من كل جانب . في الأمر الذي كرهوه واستعظموه . وهكذا يعلمهم أن اختيار الله لهم هو الاختيار ؛ ويربي قلوبهم على الطاعة المطلقة والامتثال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَايَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَيَهۡدِيَكُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (20)

قوله تعالى : { وعدكم الله } الآية مخاطبة للمؤمنين ووعد بجميع المغانم التي أخذها المسلمون ويأخذونها إلى يوم القيامة ، قاله مجاهد وغيره .

وقوله : { فعجل لكم هذه } يريد خيبر ، وقال زيد بن أسلم وابنه ، المغانم الكثيرة : خيبر ، و : { هذه } إشارة إلى البيعة والتخلص من أمر قريش ، وقاله ابن عباس : وقوله { وكف أيدي الناس عنكم } يريد من ولي عورة المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين منها ، وذلك أنه كان من أحياء العرب ومن اليهود من يعادي وكانت قد أمكنتهم فرصة فكفهم الله عن ذراري المسلمين وأموالهم ، وهذه للمؤمنين العلامة على أن الله ينصرهم ويلطف لهم ، قاله قتادة . وحكى الثعلبي أنه قال : كف الله غطفان ومن معها عن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاؤوا لنصر أهل خيبر ، وذكره النقاش وقال الثعلبي أيضاً عن بعضهم إنه أراد كف قريش .