وبعد ذلك التبليغ العلوي الكريم للرسول الأمين عن المؤمنين المبايعين يتجه بالحديث إلى المؤمنين أنفسهم . الحديث عن هذا الصلح ، أو عن هذا الفتح ، الذي تلقوه صابرين مستسلمين :
( وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ، فعجل لكم هذه ، وكف أيدي الناس عنكم ، ولتكون آية للمؤمنين ، ويهديكم صراطا مستقيما . وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ، وكان الله على كل شيء قديرا ) . .
وهذه بشرى من الله للمؤمنين سمعوها وأيقنوها ، وعلموا أن الله أعد لهم مغانم كثيرة ، وعاشوا بعد ذلك
ما عاشوا وهم يرون مصداق هذا الوعد الذي لا يخلف . وهنا يقول لهم : إنه قد عجل لهم هذه . وهذه قد تكون صلح الحديبية - كما روي عن ابن عباس - لتأكيد معنى أنه فتح ومغنم . وهو في حقيقته كذلك كما أسلفنا من قول رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومن وقائع الحال الناطقة بصدق هذا الاعتبار . كما أنها قد تكون فتح خيبر - كما روي عن مجاهد - باعتبار أنها أقرب غنيمة وقعت بعد الحديبية . والأول أقرب وأرجح .
ويمن الله عليهم بأنه كف أيدي الناس عنهم . وقد كف الله عنهم أيدي المشركين من قريش كما كف أيدي سواهم من أعدائهم الذين يتربصون بهم الدوائر . وهم قلة على كل حال ، والناس كثرة . ولكنهم وفوا ببيعتهم ، ونهضوا بتكاليفهم ، فكف الله أيدي الناس عنهم ، وأمنهم .
( ولتكون آية للمؤمنين ) . . هذا الوقعة التي كرهوها في أول الأمر ، وثقلت على نفوسهم . فالله ينبئهم أنها ستكون آية لهم ، يرون فيها عواقب تدبير الله لهم ، وجزاء طاعتهم لرسول الله واستسلامهم . مما يثبت في نفوسهم أنها شيء عظيم ، وخير جزيل ، ويلقي السكينة في قلوبهم والاطمئنان والرضى واليقين .
( ويهديكم صراطا مستقيما ) . . جزاء طاعتكم وامتثالكم وصدق سريرتكم . وهكذا يجمع لهم بين المغنم ينالونه ، والهداية يرزقونها . فيتم لهم الخير من كل جانب . في الأمر الذي كرهوه واستعظموه . وهكذا يعلمهم أن اختيار الله لهم هو الاختيار ؛ ويربي قلوبهم على الطاعة المطلقة والامتثال .
قوله تعالى : { وعدكم الله } الآية مخاطبة للمؤمنين ووعد بجميع المغانم التي أخذها المسلمون ويأخذونها إلى يوم القيامة ، قاله مجاهد وغيره .
وقوله : { فعجل لكم هذه } يريد خيبر ، وقال زيد بن أسلم وابنه ، المغانم الكثيرة : خيبر ، و : { هذه } إشارة إلى البيعة والتخلص من أمر قريش ، وقاله ابن عباس : وقوله { وكف أيدي الناس عنكم } يريد من ولي عورة المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين منها ، وذلك أنه كان من أحياء العرب ومن اليهود من يعادي وكانت قد أمكنتهم فرصة فكفهم الله عن ذراري المسلمين وأموالهم ، وهذه للمؤمنين العلامة على أن الله ينصرهم ويلطف لهم ، قاله قتادة . وحكى الثعلبي أنه قال : كف الله غطفان ومن معها عن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاؤوا لنصر أهل خيبر ، وذكره النقاش وقال الثعلبي أيضاً عن بعضهم إنه أراد كف قريش .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.