ثم يقدم لهم شخصه ورسالته مجردين عن كل زخرف وكل طلاء وكل قيمة من تلك القيم العرضية الزائفة . يقدمها لهم في معرض التذكير ، ليقرر لهم القيم الحقيقية ، ويزدري أمامهم القيم الظاهرية ، بتخليه عنها ، وتجرده منها . فمن شاء الرسالة كما هي ، بقيمها ، بدون زخرف ، بدون ادعاء ، فليتقدم إليها مجردة خالصة لله :
( ولا أقول لكم عندي خزائن الله . . )
فأدعي الثراء أو القدرة على الإثراء . . .
فأدعي قدرة ليست للبشر أو صلة بالله غير صلة الرسالة . .
فأدعي صفة أعلى من صفة الإنسانية في ظنكم لأرتفع في أعينكم ، وأفضل نفسي بذاتي عليكم .
( ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا ) . .
إرضاء لكبريائكم ، أو مسايرة لتقديركم الأرضي وقيمكم العرضية .
( الله أعلم بما في أنفسهم ) . .
فليس لي إلا ظاهرهم ، وظاهرهم يدعو إلى التكريم ، وإلى الرجاء في أن يؤتيهم الله خيرا . .
إن ادعيت أية دعوى من هذه الدعاوي . الظالمين للحق وقد جئت أبلغه ؛ والظالمين لنفسي فأعرضها لغضب الله ؛ والظالمين للناس فأنزلهم غير ما أنزلهم الله .
وهكذا ينفي نوح - عليه السلام - عن نفسه وعن رسالته كل قيمة زائفة وكل هالة مصطنعة يتطلبها الملأ من قومه في الرسول والرسالة . ويتقدم إليهم بها مجردة إلا من حقيقتها العظيمة التي لا تحتاج إلى مزيد من تلك الأعراض السطحية . ويردهم في نصاعة الحق وقوته ، مع سماحة القول ووده إلى الحقيقة المجردة ليواجهوها ، ويتخذوا لأنفسهم خطة على هداها . بلا ملق ولا زيف ولا محاولة استرضاء على حساب الرسالة وحقيقتها البسيطة . فيعطي أصحاب الدعوة في أجيالها جميعا ، نموذجا للداعية ، ودرسا في مواجهة أصحاب السلطان بالحق المجرد ، دون استرضاء لتصوراتهم ، ودون ممالأة لهم ، مع المودة التي لا تنحني معها الرؤوس !
{ ولا أقول لكم عندي خزائن الله } رزقه وأمواله حتى جحدتم فضلي . { ولا أعلم الغيب } عطف على { عندي خزائن الله } أي : ولا أقول لكم أنا أعلم الغيب حتى تكذبوني استبعاداً ، أو حتى أعلم أن هؤلاء اتبعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب ، وعلى الثاني يجوز عطفه على أقول . { ولا أقول إني مَلكُ } حتى تقولوا ما أنت إلا بشر مثلنا . { ولا أقول للذين تزدري أعينكم } ولا أقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم . { لن يُؤتيهم الله خيرا } فإن ما أعده الله لهم في الآخرة خير مما آتاكم في الدنيا . { الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين } أن قلت شيئا من ذلك ، والازدراء به افتعال من زرى عليه إذا عابه قلبت تاؤه دالا لتجانس الراء في الجهر وإسناده إلى الأعين للمبالغة ، والتنبيه على أنهم استرذلوهم بادي الرؤية من غير روية بما عاينوا من رثاثة حالهم وقلة منالهم دون تأمل في معانيهم وكمالاتهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.