{ وَلا أَقُولُ لَكُمْ } حين أدّعي النبوة { عندي خَزَائِنُ الله } أي رزقُه وأموالُه حتى تستدلوا بعدمها على كذبي بقولكم : { وَمَا نرى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذبين } [ هود ، الآية 27 ] فإن النبوةَ أعزُّ من أن تنال بأسباب دنيويةٍ ودعواها بمعزل عن ادعاء المالِ والجاه { وَلا أَعْلَمُ الغيب } أي لا أدعي في قولي : { إني لَكُمْ نَذِيرٌ مبِينٌ } [ هود ، الآية 25 ] { إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } [ هود ، الآية 26 ] علمَ الغيبِ حتى تسارعوا إلى الإنكار والاستبعاد .
{ وَلا أَقُولُ إني مَلَكٌ } حتى تقولوا : { مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مثْلَنَا } [ هود ، الآية 27 ] فإن البشريةَ ليست من موانع النبوةِ بل من مباديها يعني أنكم اتخذتم فُقدانَ هذه الأمورِ الثلاثة ذريعةً إلى تكذيبي والحال أني لا أدعي شيئاً من ذلك ولا الذي أدّعيه يتعلق بشيء منها وإنما يتعلق بالفضائل النفسانيةِ التي بها تتفاوت مقاديرُ البشرِ { وَلا أَقُولُ } مساعدةً لكم كما تقولون { لِلَّذِينَ تَزْدَرِى أَعْيُنُكُمْ } أي تقتحِمهم وتحتقرِهم من زراه إذا عابه ، وإسنادُ الازدراءِ إلى أعينهم [ إما ] بالنظر إلى قولهم : { وَمَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا } [ هود ، الآية27 ] وإما للإشعار بأن ذلك لقصور نظرِهم ولو تدبروا في شأنهم ما فعلوا ذلك أي لا أقول في شأن الذين استرذلتموهم لفقرهم من المؤمنين { لَن يُؤْتِيَهُمُ الله خَيْرًا } في الدنيا أو في الآخرة فعسى الله أن يُؤتيهَم خيري الدارين .
إن قلتَ : هذا القولُ ليس مما تستنكره الكفرةُ ولا مما يتوهمون صدورَه عنه عليه السلام أصالةً أو استتباعاً كادعاء المِلْكية وعلمِ الغيب وحيازة الخزائنِ مما نفاه عليه الصلاة والسلام عن نفسه بطريق التبرؤ والتنزه عنه فمِنْ أيِّ وجه عطُف نفيُه على نفيها ؟ قلتُ : من جهة أن كِلا النفيَيْن ردٌّ لقياسهم الباطلِ الذي تمسّكوا به فيما سلف فإنهم زعَموا أن النبوةَ تستتبع الأمورَ المذكورةَ وأنها لا تتسنى ممن ليس على تلك الصفات فإن العثورَ على مكانها واغتنامَ مغانمِها ليس من دأب الأراذلِ فأجاب عليه الصلاة والسلام بنفي ذلك جميعاً فكأنه قال : «لا أقول وجودُ تلك الأشياءِ من مواجب النبوةِ ولا عدمُ المالِ والجاهِ من موانع الخير » { الله أَعْلَمُ بِمَا في أَنفُسِهِمْ } من الإيمان ، وإنما اقتُصر على نفي القولِ المذكورِ من أنه عليه الصلاة والسلام جازمٌ بأن الله سبحانه سيؤتيهم خيراً عظيماً في الدارين وأنهم على يقين راسخٍ في الإيمان جرياً على سنن الإنصافِ من القوم واكتفاءً بمخالفة كلامِهم وإرشاداً لهم إلى مسلك الهدايةِ بأن اللائقَ لكل أحدٍ أن لا يبُتَّ القولَ إلا فيما يعلمه يقيناً ويبني أمورَه على الشواهد الظاهرةِ ولا يجازف فيما ليس فيه على بينة ظاهرة { إني إِذاً } أي إذا قلتُ ذلك { لمِنَ الظالمين } لهم بحطِّ مرتبتِهم ونقصِ حقوقِهم أو من الظالمين لأنفسهم بذلك فإن وبالَه راجعٌ إلى أنفسهم وفيه تعريضٌ بأنهم ظالمون في ازدرائهم واسترذالِهم ، وقيل : إذا قلتُ شيئاً مما ذكر من ادّعاء المِلْكية وعلمِ الغيب وحيازةِ الخزائن ، وهو بعيدٌ لأن تبعةَ تلك الأقوالِ مغنيةٌ عن التعليل بلزوم الانتظامِ في زمرة الظالمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.