( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ، فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ، فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ) . .
ولقد سبق في سورة البقرة بيان حكم المطلقات قبل الدخول في قوله تعالى :
( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ، ومتعوهن على الموسع قدره ، وعلى المقتر قدره ، متاعا بالمعروف حقا على المحسنين . وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح . وأن تعفوا أقرب للتقوى ، ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير ) . .
فالمطلقة قبل الدخول إن كان قد فرض لها مهر ، فلها نصف ذلك المهر المسمى . وإن لم يذكر لها مهر فلها متاع يتبع قدرة المطلق سعة وضيقا . . وقد زاد هنا في آية الأحزاب بيان حكم العدة لهذه المطلقة وهو ما لم يذكر في آيتي البقرة . فقرر أن لا عدة عليها . إذ أنه لم يكن دخول بها . والعدة إنما هي استبراء للرحم من الحمل ، وتأكد من أنها خالية من آثار الزواج السابق ، كي لا تختلط الأنساب ، ولا ينسب إلى رجل ما ليس منه ، ويسلب رجل ما هو منه في رحم المطلقة . فأما في حالة عدم الدخول فالرحم بريئة ، ولا عدة إذن ولا انتظار : ( فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) . . ( فمتعوهن )إن كان هناك مهر مسمى فبنصف هذا المهر ، وإن لم يكن فمتاع مطلق يتبع حالة الزوج المالية . ( وسرحوهن سراحا جميلا ) . . لا عضل فيه ولا أذى . ولا تعنت ولا رغبة في تعويقهن عن استئناف حياة أخرى جديدة .
وهذا حكم عام جاء في سياق السورة في صدد تنظيم الحياة العامة للجماعة المسلمة .
ولما أمر سبحانه بإبلاغ أوامره من غير التفات إلى أحد غيره ، وكان من المعلوم أنه لا بد في ذلك من محاولات ومنازعات ، لا يقوم بها إلا من أعرض عن الخلائق ، لما هو مشاهد له من عظمة الخالق ، أمر سبحانه بالتوكل عليه ، وأقام الدليل الشهودي بقصة الأحزاب وقريظة على كفاية لمن أخلص له ، فلما تم الدليل رجع إلى بيان ما افتتح به السورة من الأحكام بعد إعادة الأمر بالتوكل ، فذكر أقرب الطلاق إلى معنى المظاهرة المذكورة أول السورة بعد الأمر بالتوكل التي محط قصدها عدم قربان المظاهر عنها بعد أن كان أبطل المظاهرة . فقال ناهياً لمن هو في أدنى أسنان الإيمان بعد بشارة المؤمنين{[55785]} قاطعاً لهم عما كانوا يشتدون به في التحجر على المرأة المطلقة لقصد مضاجرتها أو تمام التمكن من التحكم فيها : { يا أيها الذين آمنوا } أي ادعوا ذلك { إذا نكحتم } أي عاقدتم ، أطلق اسم المسبب على السبب فقد صار فيه حقيقة شرعية { المؤمنات } أي الموصوفات بهذا الوصف الشريف المقتضي لغاية الرغبة فيهن وأتم الوصلة بينكم وبينهن .
ولما كان طول مدة الحبس بالعقد من غير جماع لا يغير الحكم في العدة وإن غيرها في النسب بمجرد إمكان الوطىء ، وكان الطلاق لا يكون إلا بعد النكاح وبعد حل الوطىء بالنكاح{[55786]} ، أشار إليه بحرف التراخي فقال : { ثم طلقتموهن } أي بحكم التوزيع ، وقيل لابن عباس : إن ابن مسعود رضي الله عنهم يقول بصحة تعليق الطلاق قبل النكاح فقال : زلة علم - وتلا هذه الآية .
ولما كان المقصود نفي المسيس في هذا النكاح لا مطلقاً ، وكانت العبرة في إيجاب المهر بنفس الوطىء لا بإمكانه{[55787]} وإن حصلت الخلوة ، أدخل الجار فقال : { من قبل أن تسموهن } أي تجامعوهن ، أطلق المسّ على الجماع لأنه طريق له كما سمي الخمر إثماً لأنها سببه . ولما كانت العدة حقاً للرجال قال : { فما لكم } ولما كانت العدة واجبة ، عبر بأداة الاستعلاء فقال : { عليهن } وأكد النفي بإثبات الجار في قوله : { من عدة } ودل على اعتيادهم ذلك ومبالغتهم فيه والمضاجرة به كما في الظهار بالافتعال فقال : { تعتدونها } أي تتكلفون عدها وتراعونه ، و{[55788]} روي عن ابن كثير{[55789]} من طريق البزي شاذاً بتخفيف{[55790]} الدال بمعنى تتكلفون الاعتداء بها على المطلقة .
ولما كان هذا الحكم - الذي معناه الانفصال{[55791]} - للمؤمنات اللاتي لهن صفات تقتضي دوام العشرة وتمام الاتصال ، كان{[55792]} ذلك للكتابيات من باب الأولى ، وفائدة التقييد الإرشاد إلى أنه لا ينبغي العدول عن المؤمنات ، بل ولا عن الصالحات من المؤمنات . ولما كان الكلام كما أشير إليه في امرأة قريبة من المظاهر{[55793]} عنها ، وكان ما خلا من الفرض للصداق أقرب إلى ذلك ، سبب عما مضى قوله : { فمتعوهن } ولم يصرح بأن ذلك لغير من سمى لها{[55794]} لتدخل المسمى لها في الكلام على طريق الندب مع ما لها من نصف المسمى{[55795]} كما دخلت الأولى وجوباً { وسرحوهن } أي أطلقوهن{[55796]} ليخرجن من منازلكم ولا تعتلوا عليهن بعلة { سراحاً جميلاً * } بالإحسان قولاً وفعلاً من غير ضرار بوجه أصلاً{[55797]} ليتزوجهن من شاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.