في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (10)

ثم يواجههم بشاهد قريب ، لشهادته قيمتها ، لأنه من أهل الكتاب الذين يعرفون طبيعة التنزيل :

( قل : أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به ، وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ، فآمن واستكبرتم ? إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) . .

وقد تكون هذه واقعة حال ، ويكون واحد أو أكثر من بني إسرائيل ، عرف أن طبيعة هذا القرآن هي طبيعة الكتب المنزلة من عند الله ، بحكم معرفته لطبيعة التوراة . فآمن . وقد وردت روايات أنها نزلت في عبد الله ابن سلام . لولا أن هذه السورة مكية وعبد الله بن سلام إنما أسلم في المدينة . وقد ورد كذلك أن هذه الآية مدنية توكيدا لنزولها في شأن عبد الله - رضي الله عنه - . كما ورد أنها مكية وأنها لم تنزل فيه .

وقد تكون إشارة إلى واقعة أخرى في مكة نفسها . فقد آمن بعض أهل الكتاب على قلة في العهد المكي .

وكان لإيمانهم ، وهم أهل كتاب ، قيمته وحجيته في وسط المشركين الأميين . ومن ثم نوه به القرآن في مواضع متعددة ، وواجه به المشركين الذين كانوا يكذبون بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .

وهذا الأسلوب في الجدل : قل : أرأيتم إن كان من عند الله . . . الخ يراد به زعزعة الإصرار والعناد في نفوس أهل مكة ، وإثارة التخوف في نفوسهم والتحرج من المضي في التكذيب . ما دام أن هذا القرآن يحتمل أن يكون من عند الله حقا كما يقول محمد . وفي هذه الحالة تكون العاقبة وخيمة . فأولى لهم أن يحتاطوا لهذا الفرض ، الذي قد يصح ، فيحل بهم كل ما ينذرهم به . ومن الأحوط إذن أن يتريثوا في التكذيب ، وأن يتدبروا الأمر في حرص وفي حذر ، قبل التعرض لتلك العاقبة الوخيمة . وبخاصة إذا أضيف إلى ذلك الاحتمال أن واحدا أو أكثر من أهل الكتاب يشهد بأن طبيعته من طبيعة الكتاب قبله ؛ ويتبع هذا التذوق بالإيمان . بينما هم الذين جاء القرآن لهم ، وبلغتهم ، وعلى لسان رجل منهم ، يستكبرون ويكفرون . . وهو ظلم بين وتجاوز للحق صارخ ، يستحق النقمة من الله وإحباط الأعمال : ( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) . .

ولقد سلك القرآن شتى السبل ، واتبع شتى الأساليب ، ليواجه شكوك القلب البشري وانحرافاته وآفاته ؛ ويأخذ عليها المسالك ؛ ويعالجها بكل أسلوب . وفي أساليب القرآن المتنوعة زاد للدعوة والدعاة إلى هذا الدين . . ومع اليقين الجازم بأن هذا القرآن من عند الله فقد استخدم أسلوب التشكيك لا أسلوب الجزم للغرض الذي أسلفنا . وهو واحد من أساليب الإقناع في بعض الأحوال . .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (10)

شرح الكلمات :

{ قل أرأيتم } : أي أخبروني ماذا تكون حالكم .

{ إن كان من عند الله } : أي إن كان القرآن من عند الله .

{ وكفرتم به } : أي وكذبتم به أي بالقرآن .

{ وشهد شاهد من بني إسرائيل } : أي وشهد عبدُ الله بن سلام .

{ على مثله فآمن } : أي عليه إنه من عند الله فآمن .

{ واستكبرتم } : أي واستكبرتم أنتم فلم تؤمنوا ألستم ظالمين .

المعنى :

ما زال السياق الكريم في طلب هداية النبي صلى الله عليه وسلم من قريش الذين ردوا الدعوة وقالوا في كتابها سحر مبين وفي صاحبها مفتر فقال تعالى لرسوله قل يا محمد لأولئك المشركين الذين قالوا في القرآن سحر مبين { أرأيتم } أي أخبروني ماذا تكون حالكم إن كان القرآن من عند الله . وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل وهو عبد الله بن سلام على مثله أي على التوراة أنها نزلت من عند الله وهي مثل القرآن فلا يستنكر أن يكون القرآن نزل من عند الله لا سِيَّمَا والكتابان التوراة والقرآن يصدق بعضهما بعضاً ، بدلالتهما معاً على أصول الدين كالتوحيد والبعث والجزاء بالثواب والعقاب ومكارم الأخلاق والعدل والوفاء بالعهد . { فآمن } هذا الشاهد { واستكبرتم } أي وكفرتم أنتم مستكبرين عن الإِيمان بالحق ألم تكونوا شر الناس وأظلمهم وتحرمون الهداية إن الله لا يهدي القوم الظالمين أي الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي فحرموها الهداية الإِلهية .

الهداية :

من الهداية :

- اعتبار الشهادة وأنها أداة يتوصل بها إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل فلذا يشترط عدالة صاحبها والعدالة هي اجتناب الكبائر واتقاء الصغائر غالبا .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (10)

{ قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به } معنى الآية : أرأيتم إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين ، ثم حذف قوله : { ألستم ظالمين } وهو الجواب ، لأنه دل على أن الله لا يهدي القوم الظالمين .

{ وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله } هذه الجملة معطوفة على الجملة التي قبلها ، فالمعنى : أرأيتم إن اجتمع كون القرآن من عند الله مع شهادة شاهد من بني إسرائيل على مثله ثم آمن به هذا الشاهد وكفرتم أنتم ألستم أضل الناس وأظلم الناس ، واختلف في الشاهد المذكور على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه عبد الله بن سلام ، فقيل : على هذا إن الآية مدنية ، لأنه إنما أسلم بالمدينة ، وقيل : إنها مكية وأخبر بشهادته قبل وقوعها ثم وقعت على حسب ما أخبر ، وكان عبد الله بن سلام يقول : في نزلت الآية .

الثاني : أنه رجل من بني إسرائيل كان بمكة .

الثالث : أنه موسى عليه السلام ورجح ذلك الطبري والضمير في { مثله } للقرآن : أي : يشهد على مثله فيما جاء به من التوحيد والوعد والوعيد ، والضمير في آمن للشاهد فإن كان عبد الله بن سلام أو الرجل الآخر فإيمانه بين ، وإن كان موسى عليه السلام ، فإيمانه هو تصديقه بأمر محمد صلى الله عليه وسلم وتبشيره به .