الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (10)

جواب الشرط محذوف تقديره : إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين . ويدل على هذا المحذوف قوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين } والشاهد من بني إسرائيل : عبد الله بن سلام ، لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نظر إلى وجهه ، فعلم أنه ليس بوجه كذاب . وتأمّله فتحقق أنه هو النبي المنتظر وقال له : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبيّ : ما أوّل أشراط الساعة ؟ وما أوّل طعام يأكله أهل الجنة ؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمّه ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : « أما أوّل أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب . وأما أوّل طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت ، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل نزعه ، وإن سبق ماء المرأة نزعته » فقال : أشهد أنك رسول الله حقاً ، ثم قال : يا رسول الله ، إن اليهود قوم بهت وإن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك . فجاءت اليهود فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : أي رجل عبد الله فيكم ؟ فقالوا : خيرنا وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا ، وأعلمنا وابن أعلمنا . قال : أرأيتم إن أسلم عبد الله ؟ قالوا : أعاذه الله من ذلك ، فخرج إليهم عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله ، فقالوا : شرنا وابن شرنا انتقصوه . قال : هذا ما كنت أخاف عليه يا رسول الله وأحذر . قال سعد بن أبي وقاص : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض أنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام ، وفيه نزل : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إسراءيل على مِثْلِهِ } الضمير للقرآن ، أي : على مثله في المعنى ، وهو ما في التوراة من المعاني المطابقة لمعانى القرآن من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك . ويدل عليه قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الاولين } [ الشعراء : 196 ] ، { إِنَّ هذا لَفِى الصحف الأولى } [ الأعلى : 18 ] ، { كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ } [ الشورى : 3 ] ويجوز أن يكون المعنى : إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد على نحو ذلك ، يعني كونه من عند الله .

فإن قلت : أخبرني عن نظم هذا الكلام لأقف على معناه من جهة النظم . قلت : الواو الأولى عاطفة لكفرتم على فعل الشرط ، كما عطفته ( ثم ) في قوله تعالى : { قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } [ فصلت : 52 ] وكذلك الواو الآخرة عاطفة لاستكبرتم على شهد شاهد ، وأما الواو في ( وشهد شاهد ) فقد عطفت جملة قوله . { شهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم } على جملة قوله : ( كان من عند الله وكفرتم به ) ونظيره قولك : إن أحسنت إليك وأسأت ، وأقبلت عليك وأعرضت عني ، لم نتفق في أنك أخذت ضميمتين فعطفتهما على مثليهما ، والمعنى : قل أخبروني إن اجتمع كون القرآن من عند الله مع كفركم به ، واجتمع شهادة أعلم بني إسرائيل على نزول مثله وإيمانه به ، مع استكباركم عنه وعن الإيمان به ، ألستم أضل الناس وأظلمهم ؟ وقد جعل الإيمان في قوله : { فَئَامَنَ } مسبباً عن الشهادة على مثله : لأنه لما علم أنّ مثله أنزل على موسى صلوات الله عليه ، وأنه من جنس الوحي وليس من كلام البشر ، وأنصف من نفسه فشهد عليه واعترف كان الإيمان نتيجة ذلك .