في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

فأما المقسم عليه فهو تنزيل هذا الكتاب في ليلة مباركة :

( إنا أنزلناه في ليلة مباركة . إنا كنا منذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم . أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين . رحمة من ربك إنه هو السميع العليم ) . .

والليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن هي - والله أعلم - الليلة التي بدأ فيها نزوله ؛ وهي إحدى ليالي رمضان ، الذي قيل فيه : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) . . والقرآن لم ينزل كله في تلك الليلة ؛ كما أنه لم ينزل كله في رمضان ؛ ولكنه بدأ يتصل بهذه الأرض ؛ وكانت هذه الليلة موعد هذا الاتصال المبارك . وهذا يكفي في تفسير إنزاله في الليلة المباركة .

وإنها لمباركة حقاً تلك الليلة التي يفتح فيها ذلك الفتح على البشرية ، والتي يبدأ فيها استقرار هذا المنهج الإلهي في حياة البشر ؛ والتي يتصل فيها الناس بالنواميس الكونية الكبرى مترجمة في هذا القرآن ترجمة يسيرة ، تستجيب لها الفطرة وتلبيها في هوادة ؛ وتقيم على اساسها عالماً إنسانياً مستقراً على قواعد الفطرة واستجاباتها ، متناسقاً مع الكون الذي يعيش فيه ، طاهراً نظيفاً كريماً بلا تعمل ولا تكلف ؛ يعيش فيه الإنسان على الأرض موصولاً بالسماء في كل حين .

ولقد عاش الذين أنزل القرآن لهم أول مرة فترة عجيبة في كنف السماء ، موصولين مباشرة بالله ؛ يطلعهم أولاً بأول على ما في نفوسهم ؛ ويشعرهم أولاً بأول بأن عينه عليهم ، ويحسبون هم حساب هذه الرقابة ، وحساب هذه الرعاية ، في كل حركة وكل هاجسة تخطر في ضمائرهم ؛ ويلجأون إليه أول ما يلجأون ، واثقين أنه قريب مجيب .

ومضى ذلك الجيل وبقي بعده القرآن كتاباً مفتوحاً موصولاً بالقلب البشري ، يصنع به حين يتفتح له ما لا يصنعه السحر ؛ ويحول مشاعره بصورة تحسب أحياناً في الأساطير !

وبقي هذا القرآن منهجاً واضحاً كاملاً صالحاً لإنشاء حياة إنسانية نموذجية في كل بيئة وفي كل زمان . حياة إنسانية تعيش في بيئتها وزمانها في نطاق ذلك المنهج الإلهي المتميز الطابع ، بكل خصائصه دون تحريف . وهذه سمة المنهج الإلهي وحده . وهي سمة كل ما يخرج من يد القدرة الإلهية .

إن البشر يصنعون ما يغني مثلهم ، وما يصلح لفترة من الزمان ، ولظرف خاص من الحياة . فأما صنعة الله فتحمل طابع الدوام والكمال ، والصلاحية المستمرة وتلبية الحاجات في كل ظرف وفي كل حين ؛ جامعة بين ثبات الحقيقة وتشكل الصورة في اتساق عجيب .

أنزل الله هذا القرآن في هذه الليلة المباركة . . أولاً للإنذار والتحذير : ( إنا كنا منذرين ) . فالله يعلم غفلة هذا الإنسان ونسيانه وحاجته إلى الإنذار والتنبيه .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

وجواب القسم : { إنا أنزلناه } أي ابتدأنا إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم يقظة{ في ليلة مباركة }

وهي على الصحيح : ليلة القدر . ووصفها بالبركة لزيادة خيرها ، ولاستتباع ما أنزل فيها منافع الخلق الدينية والدنيوية . ولله تعالى أن يخص بعض الأزمنة والأمكنة بما شاء من الفضل والخير ؛ فيفضل ما سواه . { إنا كنا منذرين } مخوفين ومحذرين ؛ أي لأن من شأننا وعادتنا الإنذار بالكتب المنزلة . والإنذار : إخبار فيه تخويف وترهيب ؛ كما أن التبشير إخبار فيه تأمين وترغيب .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إنا أنزلناه} يعني القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا... حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر.

{في ليلة مباركة} وهي ليلة مباركة... وسميت ليلة القدر ليلة مباركة، لما فيها من البركة والخير.

ثم قال: {إنا كنا منذرين}، يعني بالقرآن...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكةٍ" أقسم جلّ ثناؤه بهذا الكتاب، أنه أنزله في ليلة مباركة. اختلف أهل التأويل في تلك الليلة، أيّ ليلة من ليالي السنة هي؟ فقال بعضهم: هي ليلة القدر...

وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان.

والصواب من القول في ذلك قول من قال: عنى بها ليلة القدر؛ لأن الله جلّ ثناؤه أخبر أن ذلك كذلك لقوله تعالى: "إنّا كُنّا مُنْذِرِينَ "خَلْقَنا بهذا الكتاب الذي أنزلناه في الليلة المباركة عقوبتنا أن تحلّ بمن كفر منهم، فلم ينب إلى توحيدنا، وإفراد الألوهة لنا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... {في ليلة مباركة} وهي ليلة القدر، سمّاها مباركة، والمبارك هو الذي عنده تُدرَك كل الخيرات. والبركة هي اسم كل خير يكون أبدا على الزيادة والنماء، فسمّى تلك الليلة مباركة لما جعل فيها من الخيرات والبركات.

{إنا كنا منذِرين} يحتمل {إنا كنا منذرين} الخلق إذا أُنشئوا، وبلغوا المبلغ الذي يستوجبون الإنذار.

ويحتمل {إنا كنا منذرين} الخلق بالرسل؛ هذا هو الظاهر أن هذا القول من الله تعالى.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

في تسميتها مباركة وجهان:...

الثاني: لما يجاب فيها من الدعاء.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

(إنا كنا منذرين) فالإنذار: الاعلام بموضع الخوف ليتقى، وموضع الأمن ليرتجى، فالله تعالى قد أنذر العباد بأتم الإنذار من طريق العقل والسمع...

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

تَعْيِينُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ: وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ من شَعْبَانَ؛ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ الصَّادِقِ الْقَاطِعِ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} فَنَصَّ عَلَى أَنَّ مِيقَاتَ نُزُولِهِ رَمَضَانُ، ثُمَّ عَبَّرَ عَنْ زَمَانِيَّةِ اللَّيْلِ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ: {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ من شَعْبَانَ حَدِيثٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، لَا فِي فَضْلِهَا، وَلَا فِي نَسْخِ الْآجَالِ فِيهَا، فَلَا تَلْتَفِتُوا إلَيْهَا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{إنا} أي على ما نحن عليه من الجلال {كنا} بما لنا من العظمة دائماً لعبادنا {منذرين} لا نؤاخذهم من غير إنذار، فلأجل رحمتنا لهؤلاء القوم وهم أرق الناس طبعاً وأصفاهم قلوباً وأوعاهم سمعاً؛ نوصلهم بما هيأناهم به من ذلك إلى ما لم يصل غيرهم إليه ولم يقاربه من المعالي في الأخلاق والشمائل والاكتساب لجميع الفضائل.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

بين السبب في إنزاله فقال: {إنا كنا منذرين} أي إنا كنا معلمين الناس ما ينفعهم فيعملون به، وما يضرهم فيجتنبونه، لتقوم حجة الله على عباده...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

القرآن لم ينزل كله في تلك الليلة؛ كما أنه لم ينزل كله في رمضان؛ ولكنه بدأ يتصل بهذه الأرض؛ وكانت هذه الليلة موعد هذا الاتصال المبارك. وهذا يكفي في تفسير إنزاله في الليلة المباركة. وإنها لمباركة حقاً تلك الليلة التي يفتح فيها ذلك الفتح على البشرية، والتي يبدأ فيها استقرار هذا المنهج الإلهي في حياة البشر؛ والتي يتصل فيها الناس بالنواميس الكونية الكبرى مترجمة في هذا القرآن ترجمة يسيرة، تستجيب لها الفطرة وتلبيها في هوادة؛ وتقيم على اساسها عالماً إنسانياً مستقراً على قواعد الفطرة واستجاباتها، متناسقاً مع الكون الذي يعيش فيه، طاهراً نظيفاً كريماً بلا تعمل ولا تكلف؛ يعيش فيه الإنسان على الأرض موصولاً بالسماء في كل حين. ولقد عاش الذين أنزل القرآن لهم أول مرة فترة عجيبة في كنف السماء، موصولين مباشرة بالله؛ يطلعهم أولاً بأول على ما في نفوسهم؛ ويشعرهم أولاً بأول بأن عينه عليهم، ويحسبون هم حساب هذه الرقابة، وحساب هذه الرعاية، في كل حركة وكل هاجسة تخطر في ضمائرهم؛ ويلجؤون إليه أول ما يلجؤون، واثقين أنه قريب مجيب...

أنزل الله هذا القرآن في هذه الليلة المباركة.. أولاً للإنذار والتحذير: (إنا كنا منذرين). فالله يعلم غفلة هذا الإنسان ونسيانه وحاجته إلى الإنذار والتنبيه.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

معنى الفعل في {أنزلناه} ابتداء إنزاله فإن كل آية أو آيات تنزل من القرآن فهي منضمة إليه انضمام الجزء للكل، ومجموع ما يبلغ إليه الإنزال في كل ساعة هو مسمّى القرآن إلى أن تم نزول آخر آية من القرآن.

وتنكير {ليلة} للتعظيم، ووصفها ب {مباركة} تنويه بها وتشويق لمعرفتها. فهذه الليلة هي الليلة التي ابتدُئ فيها نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم في الغار من جَبل حِرَاءٍ في رمضان قال تعالى: {شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن} [البقرة: 185].

والليلة التي ابتدئ نزول القرآن فيها هي ليلة القدر قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1]. والأصح أنها في العشر الأواخر من رمضان وأنها في ليلة الوتر. وثبت أن الله جعل لنظيرتها من كل سنة فضلاً عظيماً لكثرة ثواب العبادة فيها في كل رمضان؛ كرامة لذكرى نزول القرآن وابتداء رسالة أفضل الرسل صلى الله عليه وسلم إلى النّاس كافة. قال تعالى: {تنزَّل الملائكةُ والروحُ فيها بإذن ربّهم من كل أمرٍ سلامٌ هي حتى مطلع الفجر} [القدر: 4، 5]. وذلك من معاني بركتها وكم لها من بركات للمسلمين في دينهم، ولعل تلك البركة تسري إلى شؤونهم الصالحة من أمور دنياهم.

فبركة الليلة التي أنزل فيها القرآن بركة قدَّرها الله لها قبل نزول القرآن ليكون القرآن بابتداء نزوله فيها مُلابساً لوقت مبارك فيزداد بذلك فضلاً وشرفاً، وهذا من المناسبات الإلهية الدقيقة التي أنبأنا الله ببعضها. والظاهر أن الله أمدّها بتلك البركة في كل عام كما أومأ إلى ذلك قوله: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} إذ قاله بعد أن مضى على ابتداء نزول القرآن بضْعَ عشرة سنة. وقولُه {ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهرٍ} [القدر: 3] وقوله {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر وقوله: {فيها يفرق كل أمر حكيم}.

واختلف في الليلة التي ابتدئ فيها نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم من ليالي رمضان، فقيل: هي ليلة سبعَ عشرة منه ذكره ابن إسحاق عن الباقر أخذاً من قوله تعالى: {إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} [الأنفال: 41] فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون ببدر يوم الجمعة صبيحة سبعَ عشرة ليلة من رمضان اهـ. أي تأول قوله: {وما أنزلنا على عبدنا} [الأنفال: 41] أنه ابتداء نزول القرآن. وفي المراد ب {ما أنزلنا} احتمالات ترفع الاحتجاج بهذا التأويل بأن ابتداء نزول القرآن كان في مثل ليلة يوم بدر.

والذي يجب الجزم به أن ليلة نزول القرآن كانت في شهر رمضان وأنه كان في ليلة القدر. ولما تضافرت الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر « اطلبوها في العشر الأواخر من رمضان في ثالثة تبقى في خامسة تبقى في سابعة تبقى في تاسعة تبقى». فالذي نعتمده أن القرآن ابتدئ نزوله في العشر الأواخر من رمضان، إلاّ إذا حُمل قول النبي صلى الله عليه وسلم « اطلبوها في العشر الأواخر» على خصوص الليلة من ذلك العام. وقد اشتهر عند كثير من المسلمين أنّ ليلة القدر ليلة سبع وعشرين باستمرار وهو مناف لحديث « اطلبوها في العشر

الأواخر» على كل احتمال.

وجملة {إنا كنا منذرين} معترضة. وحرف (إنَّ) يجوز أن يكون للتأكيد ردًّا لإنكارهم أن يكون الله أرسل رسلاً للناس؛ لأن المشركين أنكروا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بزعمهم أن الله لا يرسل رسولاً من البشر قال تعالى: {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} [الأنعام: 91]، فكان ردّ إنكارهم ذلك ردًّا لإنكارهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فتكون جملة {إنا كنّا منذرين} مستأنفة. ويجوز أن تكون (إنَّ) لمجرد الاهتمام بالخبر فتكون مغنية غناء فاء التسبب فتفيد تعليلاً فتكون جملة {إنا كنا منذرين} تعليلاً لجملة {أنزلناه} أي أنزلناه للإنذار لأن الإنذار شأننا، فمضمون الجملة علة العلة وهو إيجاز وإنما اقتصر على وصف {منذرين} مع أن القرآن منذر ومُبشّر اهتماماً بالإنذار؛ لأنه مقتضى حال جمهور الناس يومئذٍ، والإنذار يقتضي التبشير لمن انتذر. وحذف مفعول {منذرين} لدلالة قوله: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} عليه، أي منذرين المخاطبين بالقرآن.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

علاقة القرآن بليلة القدر: ممّا يجدر الانتباه إليه أنه ورد في هذه الآيات تلميحاً، وفي آيات سورة القدر تصريحاً، أن القرآن نزل في ليلة القدر، وكم هو عميق هذا الكلام؟! ففي تلك الليلة التي تقدر فيها مقدرات العباد وأرزاقهم، ينزل القرآن الكريم على قلب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الطاهر، ألا يدل هذا على أن هناك علاقة صميمية بين مقدراتكم ومصائركم و بين محتوى هذا الكتاب السماوي؟ ألا يعني هذا الكلام أن هناك علاقة لا تقبل الانفصال بين القرآن وبين حياتكم المعنوية، بل وحتى حياتكم المادية؟ فقد أدّى الى انتصاركم على الأعداء، وشموخكم وحريتكم واستقلالكم، وعمران مدنكم ورقيكم. أجل، في تلك الليلة التي كانت تقدر فيها المقدرات، أُنزل القرآن أيضاً.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

{ إنا أنزلناه } أي القرآن { في ليلة مباركة } قيل هي ليلة القدر في رمضان أنزل الله القرآن فيها من أم الكتاب إلى سماء الدنيا ثم أنزله على نبيه عليه السلام نجوما وقيل ليلة النصف من شعبان { إنا كنا منذرين } محذرين عبادنا العقوبة بإنزال الكتاب

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} (3)

ولأجل ما ذكر من الاستبعاد أكد جواب القسم وأتى به في مظهر العظمة فقال{[57209]} : { إنا } أي بما لنا من العظمة { أنزلناه } أي الكتاب إما{[57210]} جميعاً إلى بيت العزة في سماء الدنيا أو ابتدأنا إنزاله إلى الأرض { في ليلة مباركة } أي ليلة القدر - قاله ابن عباس رضي الله عنهما{[57211]} أو النصف من شعبان ، فلذلك يتأثر{[57212]} عنه من التأثيرات{[57213]} ما لم تحط به الأفهام في الدين والدنيا ، قال الأستاذ أبو القاسم القشيري : ينزل إلى سماء الدنيا{[57214]} كل سنة بمقدار ما كان جبريل عليه السلام ينزله على الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك السنة وسماها { مباركة } لأنها ليلة افتتاح الوصلة وأشد الليالي بركة يكون {[57215]}العبد فيها{[57216]} حاضراً بقلبه مشاهداً لربه ، يتنعم فيها بأنوار الوصلة {[57217]}ويجد فيها{[57218]} نسيم القربة ، وقال الرازي في اللوامع : وأعظم الليالي بركة ما كوشف{[57219]} فيها بحقائق الأشياء .

ولما كان هذا موضحاً لما لوح به آخر تلك من البشارة في ظاهر النذارة ، علل الإنزال أو{[57220]} استأنف ما فيه من واضح النذارة الموصل إلى المعاني المقتضية للبشارة ، فقال مؤكداً لأجل تكذيبهم : { إنا } أي على ما {[57221]}نحن عليه{[57222]} من الجلال { كنا } بما لنا من العظمة دائماً لعبادنا { منذرين * } لا نؤاخذهم{[57223]} من غير إنذار ، فلأجل رحمتنا لهؤلاء القوم وهم أرق الناس طبعاً وأصفاهم{[57224]} قلوباً وأوعاهم سمعاً{[57225]} نوصلهم بما هيأناهم به من ذلك إلى ما لم يصل غيرهم إليه ولم يقاربه من المعالي في الأخلاق والشمائل والاكتساب لجميع الفضائل .

وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تضمنت [ سورة-{[57226]} ] حم السجدة وسورة الشورى من ذكر الكتاب العزيز ما قد أشير إليه مما لم تنطو{[57227]} سورة غافر على شيء منه ، وحصل{[57228]} من مجموع ذلك الإعلام بتنزيله{[57229]} من عند الله وتفصيله وكونه قرآناً عربياً إلى ما ذكر تعالى من خصائصه إلى قوله

{ وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون }[ الزخرف : 44 ] وتعلق الكلام بعد{[57230]} هذا بعضه ببعض إلى آخر السورة ، افتتح{[57231]} تعالى سورة الدخان بما يكمل ذلك الغرض ، وهو التعريف بوقت إنزاله إلى سماء الدنيا فقال تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } ثم{[57232]} ذكر من فضلها فقال { فيها يفرق كل أمر حكيم } فحصل وصف الكتاب بخصائصه والتعريف بوقت إنزاله إلى [ سماء الدنيا-{[57233]} ] وتقدم الأهم من ذلك في السورتين قبل ، وتأخر التعريف بوقت إنزاله{[57234]} إلى سماء{[57235]} الدنيا إذ ليس في التأكيد كالمتقدم ، ثم وقع إثر هذا تفصيل{[57236]} وعيد قد أجمل في قوله تعالى { فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون } وما تقدمه من قوله { أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون } وقوله سبحانه { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم } وتنزيهه سبحانه وتعالى نفسه عن عظيم افترائهم في جعلهم الشريك والولد - إلى آخر السورة ، ففصل بعض{[57237]} ما أجملته هذه الآي في{[57238]} قوله تعالى في صدر سورة الدخان { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } وقوله تعالى { يوم نبطش البطشة الكبرى } ، والإشارة إلى يوم بدر ، ثم ذكر شأن غيرهم في هذا وهلاكهم بسوء ما ارتكبوا ليشعروا{[57239]} أن لا فارق {[57240]}إن هم{[57241]} عقلوا واعتبروا ، ثم عرض بقرنهم{[57242]} في مقالته ما بين لابتيها أعز مني ولا أكرم ، ثم{[57243]} ذكر تعالى : { شجرة الزقوم } إلى قوله : { ذق إنك أنت العزيز الكريم } والتحم هذا كله التحاماً يبهر العقول ، ثم اتبع بذكر حال المتقين جرياً على المطرد من شفع الترغيب والترهيب ليبين حال الفريقين وينتج{[57244]} علم الواضح من الطريقين ، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون } وقد أخبره مع بيان الأمر ووضوحه أنه { إنما يتذكر من يخشى } ثم قال { فارتقب } وعدك ووعيدهم { إنهم مرتقبون } .


[57209]:العبارة من "والكتاب" إلى هنا ساقطة من ظ
[57210]:في مد: إلى-خطا.
[57211]:راجع أيضا معالم التنزيل بهامش اللباب6/119
[57212]:من مد، وفي الأصل وظ: تباشر
[57213]:من مد، وفي الأصل وظ: التأثرات
[57214]:في مد: السماء
[57215]:من ظ ومد، وفي الأصل: فيها العبد.
[57216]:من ظ ومد، وفي الأصل: فيها العبد.
[57217]:من ظ ومد، وفي الأصل: يحذفها.
[57218]:من ظ ومد، وفي الأصل: يحذفها.
[57219]:من مد، وفي الأصل وظ: كشف.
[57220]:من مد، وفي الأصل و ظ"و".
[57221]:من ظ ومد، وفي الأصل: لنا.
[57222]:من ظ ومد، وفي الأصل: لنا
[57223]:في مد: لا نأخذهم.
[57224]:من ظ ومد، وفي الأصل: اطفاهم
[57225]:زيد من مد.
[57226]:زيد من مد.
[57227]:من مد، وفي الأصل و ظ: لم ينطوي
[57228]:من ظ ومد، وفي الأصل: حاصل
[57229]:من ظ ومد، وفي الأصل: مزيلة.
[57230]:في الأصل و ظ بياص ملأناه من مد.
[57231]:في مد: استفتح.
[57232]:من ظ ومد، وفي الأصل: بما.
[57233]:زيد من مد.
[57234]:في مد: نزوله.
[57235]:من ظ، وفي الأصل: السماء، وهذه الكلمة مع ما قبلها وما بعدها ساقطة من مد
[57236]:من ظ ومد، وفي الأصل: التفصيل
[57237]:من ظ ومد، وفي الأصل: بعد
[57238]:من مد، وفي الأصل وظ: من
[57239]:من مد، وفي الأصل: و ظ: حتى يشعروا
[57240]:من مد، وفي الأصل و ظ: انهم.
[57241]:من مد، وفي الأصل و ظ: انهم.
[57242]:من مد، وفي الأصل و ظ: بفرعون هم
[57243]:في مد"و".
[57244]:من ظ ومد، وفي الأصل: ينتهج