في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) !

لتسألن عنه من أين نلتموه ? وفيم أنفقتموه ? أمن طاعة وفي طاعة ? أم من معصية وفي معصية ? أمن حلال وفي حلال ? أم من حرام وفي حرام ? هل شكرتم ? هل أديتم ? هل شاركتم ? هل استأثرتم ?

( لتسألن )عما تتكاثرون به وتتفاخرون . . فهو عبء تستخفونه في غمرتكم ولهوكم ولكن وراءه ما وراءه من هم ثقيل !

ختام السورة:

إنها سورة تعبر بذاتها عن ذاتها . وتلقي في الحس ما تلقي بمعناها وإيقاعها . وتدع القلب مثقلا مشغولا بهم الآخرة عن سفساف الحياة الدنيا وصغائر اهتماماتها التي يهش لها الفارغون !

إنها تصور الحياة الدنيا كالومضة الخاطفة في الشريط الطويل . . ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) . . وتنتهي ومضة الحياة الدنيا وتنطوي صفحتها الصغيرة . . ثم يمتد الزمن بعد ذلك وتمتد الأثقال ؛ ويقوم الأداء التعبيري ذاته بهذا الإيحاء . فتتسق الحقيقة مع النسق التعبيري الفريد . .

وما يقرأ الإنسان هذه السورة الجليلة الرهيبة العميقة ، بإيقاعاتها الصاعدة الذاهبة في الفضاء إلى بعيد في مطلعها ، الرصينة الذاهبة إلى القرار العميق في نهايتها . . حتى يشعر بثقل ما على عاتقه من أعقاب هذه الحياة الوامضة التي يحياها على الأرض ثم يحمل ما يحمل منها ويمضي به مثقلا في الطريق !

ثم ينشئ يحاسب نفسه على الصغير والزهيد ! ! !

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

{ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } ثم لتسألن يوم القيامة في موقف الحساب عما تقلبتم فيه من النعم الوافرة في الدنيا التي تتباهون بها وتتفاخرون ، هل أديتم حق الله فيها ، وقمتم بواجب شكره على الإنعام بها ، واستعملتموها فيما أعدت له ؟ فإن كنتم من المقصرين في ذلك ، أو الجاحدين له جوزيتم جزاء وفاقا . وما ذكر في تفسير النعيم إنما هو من باب التمثيل . والأولى عمومه .

والله أعلم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

ثم أكّد تعالى أنّ الناسَ سيُسألون ويحاسَبون .

ثَم لتُسْألُنَّ يا بني آدمَ عن كل ما أُوتيتم وما تمتّعتم به : من أين نِلْتُموه ؟ وفِيمَ أنفقْتُموه ؟ وهل أدّيتم ما وجَبَ عليكم ؟ واللهُ أعلمُ بكل ذلك ، لكنّه يَسألهم ليحاسِبَ الناسَ ، فيجزي من شَكَرَ ويُعذّب من كفَر .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

ولما كان من أهول الخطاب التهديد برؤية العذاب ، زاد في التخويف بأنه لأجل أن يكون ما يعذب به العاصي عتيداً ، فإذا أوجب السؤال النكال كان حاضراً لا مانع من إيقاعه في الحال ، ولو لم يكن حاضراً كان لمن استحقه في مدة إحضاره محال ، فقال مفخماً بأداة التراخي : { ثم } أي بعد أمور طويلة عظيمة مهولة جداً { لتسئلن } وعزتنا { يومئذ } أي إذ ترون الجحيم { عن النعيم * } أي الذي أداكم التكاثر إليه حتى عن الماء البارد في الصيف والحار في الشتاء : هل كان استمتاعكم به على وجه السرف لإرادة الترف ، أو كان لإرادة القوة للنشأة إلى الخير ، فلم يخرج عن السرف ؟ فالمؤمن المطيع يسأل سؤال تشريف ، والعاصي يسأل سؤال توبيخ وتأفيف ، ولام النعيم قد تكون لمطلق الجنس ، وإليه يشير حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم ضاف أبا الهيثم ابن التيهان مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فأطعمهم بسراً ورطباً ، وسقاهم ماء بارداً ، وبسط لهم بساطاً في ظل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن هذا من النعيم الذي تسألون عنه : ظل بارد ، ورطب طيب ، وماء بارد " وقد يكون للكمال ، فيكون من أعلام النبوة ، كما في حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه عند أحمد من وجه حسن إن شاء الله أنهم قالوا عند نزولها : أي نعيم ، وإنما هما الأسودان : التمر والماء ، وسيوفنا على رقابنا ، والعدو حاضر ، قال : " إن ذلك سيكون " ، له شاهد عند الطبراني عن ابن الزبير رضي الله عنهما ، وعند الطبراني أيضاً عن الحسن البصري مرسلاً ، فقد التحم آخرها بأولها على وجه هو من ألطف الخطاب ، وأدق المسالك في النهي عما يجر إلى العذاب ؛ لأن العاقل إذا علم أن بين يديه سؤالاً عن كل ما يتلذذ به علم أنه يعوقه ذلك في زمن السؤال عن لذاذات الجنة العوال الغوال ، فكان خوفه من مطلق السؤال مانعاً له عن التنعم بالمباح ، فكيف بالمكروه ، فكيف ثم كيف بالمحرم ؟ فكيف إذا كان السؤال من ملك تذوب لهيبته الجبال ؟ فكيف إذا كان السؤال على وجه العتاب ؟ فكيف إذا جر إلى العذاب ؟ فتأمل كلام خالقك ما ألطف إشاراته وأجل عباراته ، في نذاراته وبشاراته ، والله أرحم .