وقد جاء [ صلى الله عليه وسلم ] ليصلهم بالله ، ويعقد بينهم وبينه بيعة ماضية لا تنقطع بغيبة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عنهم . فهو حين يضع يده في أيديهم مبايعا ، فإنما يبايع عن الله : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله . يد الله فوق أيديهم ) . . وهو تصوير رهيب جليل للبيعة بينهم وبين رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] والواحد منهم يشعر وهو يضع يده في يده ، أن يد الله فوق أيديهم . فالله حاضر البيعة . والله صاحبها . والله آخذها . ويده فوق أيدي المتبايعين . . ومن ? الله ! يا للهول ! ويا للروعة ! ويا للجلال !
وإن هذه الصورة لتستأصل من النفس خاطر النكث بهذه البيعة - مهما غاب شخص رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فالله حاضر لا يغيب . والله آخذ في هذه البيعة ومعط ، وهو عليها رقيب .
( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) . .
فهو الخاسر في كل جانب . هو الخاسر في الرجاع عن الصفقة الرابحة بينه وبين الله تعالى . وما من بيعة بين الله وعبد من عباده إلا والعبد فيها هو الرابح من فضل الله ، والله هو الغني عن العالمين . وهو الخاسر حين ينكث وينقض عهده مع الله فيتعرض لغضبه وعقابه على النكث الذي يكرهه ويمقته ، فالله يحب الوفاء ويحب الأوفياء .
( ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) . .
هكذا على إطلاقه : أجرا عظيما . . لا يفصله ولا يحدده . فهو الأجر الذي يقول عنه الله إنه عظيم .
عظيم بحساب الله وميزانه ووصفه الذي لا يرتقي إلى تصوره أبناء الأرض المقلون المحدودون الفانون !
{ إن الذين يبايعونك } بيعة الرضوان بالحديبية على ألا يفروا . { إنما يبايعون الله } أي يطيعونه ؛ لأن المقصود من البيعة طاعة الله وامتثال أمره ، وعبر عن ذلك بالبيعة مشاكلة . { يد الله فوق أيديهم } مذهب السلف في هذه الآية ونظائرها من آيات الصفات ما بيناه في المقدمة . والخلف يؤولون اليد بالقوة ؛ أي قوة الله ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم ؛ كما يقال : اليد لفلان ؛ أي الغلبة والنصرة والقوة له . أو يد الله بالوفاء بما وعدهم من الخير فوق أيديهم ؛ كما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما . { فمن نكث } نقض العهد بعد إبرامه ؛ كما تنكث خيوط الصوف المغزول بعد إبرامه . وأصله من النكث – بالكسر – وهو أن تنقض أخلاق الأكسية البالية فتغزل ثانية . { ومن أوفى } يقال : وفى بالعهد وأوفى به ، إذا تممه . { عاهد عليه الله } بضم الهاء في " عليه " ؛ توصلا إلى تفخيم لفظ الجلالة ، الملائم لتفخيم أمر العهد المشعر به الكلام وقرئ بكسرها لمناسبة الياء ؛ نقله العلامة الآلوسي .
{ 10 } { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }
هذه المبايعة التي أشار الله إليها هي { بيعة الرضوان } التي بايع الصحابة رضي الله عنهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على أن لا يفروا عنه ، فهي عقد خاص ، من لوازمه أن لا يفروا ، ولو لم يبق منهم إلا القليل ، ولو كانوا في حال يجوز الفرار فيها ، فأخبر تعالى : أن الذين بايعوك حقيقة الأمر أنهم { يُبَايِعُونَ اللَّهَ } ويعقدون العقد معه ، حتى إنه من شدة تأكده أنه قال : { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } أي : كأنهم بايعوا الله وصافحوه بتلك المبايعة ، وكل هذا لزيادة التأكيد والتقوية ، وحملهم على الوفاء بها ، ولهذا قال : { فَمَنْ نَكَثَ } فلم يف بما عاهد الله عليه { فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ } أي : لأن وبال ذلك راجع إليه ، وعقوبته واصلة له ، { وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ } أي : أتى به كاملا موفرا ، { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } لا يعلم عظمه وقدره إلا الذي آتاه إياه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.