وهو الإنذار الذي يوقظ من الخمار : ( إنا أنذرناكم عذابا قريبا ) . . ليس بالبعيد ، فجهنم تنتظركم وتترصد لكم . على النحو الذي رأيتم . والدنيا كلها رحلة قصيرة ، وعمر قريب !
وهو عذاب من الهول بحيث يدع الكافر يؤثر العدم على الوجود : ( يوم ينظر المرء ما قدمت يداه . ويقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا ) . . وما يقولها إلا وهو ضائق مكروب !
وهو تعبير يلقي ظلال الرهبة والندم ، حتى ليتمنى الكائن الإنساني أن ينعدم . ويصير إلى عنصر مهمل زهيد . ويرى هذا أهون من مواجهة الموقف الرعيب الشديد . . وهو الموقف الذي يقابل تساؤل المتسائلين وشك المتشككين . في ذلك النبأ العظيم ! ! !
ما قدّمت يداه : ما عمل من خير أو شر .
ثم عاد إلى تهديدِ المعانِدين وتحذيرِهم من عاقبة عنادهم . . بأنهم سَيَعلمون غداً
ما قدّمت أيديهِم ويندمون حيثُ لا ينفع الندم .
فقال في خاتمة هذه السورة الكريمة :
{ إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الكافر يا ليتني كُنتُ تُرَاباً } .
نسأل الله تعالى أن يثبّتنا بالقول الثابت ، ويجعلَنا من الذين ينطقون بالصواب ، ويهديَنا إلى العملِ بكتابه وسًنة نبيه ، وأن يجمع كلمتنا ويوحّد صفوفنا لنحميَ أنفسَنا ونصون أوطاننا مما يهدّدنا من الأعداء . . .
{ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا } لأنه قد أزف مقبلا ، وكل ما هو آت فهو قريب .
{ يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } أي : هذا الذي يهمه ويفزع إليه ، فلينظر في هذه الدنيا إليه{[1347]} ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } الآيات .
فإن وجد خيرا فليحمد الله ، وإن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ، ولهذا كان الكفار يتمنون الموت من شدة الحسرة والندم .
ولما قدم في هذه السورة من شرح هذا النبأ العظيم ما قدم من الحكم والمواعظ واللطائف والوعد والوعيد ، لخصه في قوله مؤكداً لما لهم من التكذيب : { إنا } على ما لنا من العظمة { أنذرناكم } أي أيها الأمة وخصوصاً العرب بما مضى من هذه السورة وغيرها { عذاباً } ولما كان لا بد من إتيانه وكونه سواء كان بالموت أو بالبعث ، وكان كل ما تحقق إتيانه أقرب شيء قال : { قريباً } .
ولما حذر منه ، عين وقته مشدداً لتهويله فقال-{[71262]} : { يوم ينظر المرء } أي جنسه الصالح منه والطالح نظراً لا مرية فيه{[71263]} { ما } أي الذي { قدمت {[71264]}يداه } أي كسبه{[71265]} في الدنيا من خير وشر ، وعبر بهما لأنهما محل القدرة فكنى بهما عنها{[71266]} مع أن أكثر ما يعمل كائن بهما مستقلتين به أو مشاركتين فيه خيراً كان{[71267]} أو شراً . ولما كان التقدير : فيقول المؤمن : يا ليتني قمت قبل هذا ، عطف عليه قوله : { ويقول الكافر } أي العريق في الكفر عندما يرى من تلك-{[71268]} الأهوال متمنياً محالاً : { يا ليتني كنت } أي كوناً لا بد منه ولا يزول { تراباً * } أي في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف ، أو{[71269]} في هذا اليوم فلم أعذب ، والمراد به الجنس أو إبليس الذي تكبر عن السجود لآدم عليه السلام المخلوق من التراب ، وعظم نفسه بالحسد والافتخار بكونه مخلوقاً من نار ، يقول ذلك عندما يرى ما {[71270]}أعد الله{[71271]} لآدم عليه السلام ولخواص{[71272]} بنيه من الكرامة {[71273]}من النعيم المقيم ، ولهذا المتكبر على خالقه من العذاب الدائم الذي لا يزول{[71274]} ، وعن أبي هريرة و{[71275]}ابن عمر رضي الله عنهم أن الله تعالى يقتص{[71276]} يوم البعث للبهائم بعضها من بعض ثم يقول لها : كوني تراباً ، فتكون فيتمنى الكافر{[71277]} مثل ذلك{[71278]} . فقد علم أن ذلك اليوم في غاية العظمة وأنه لا بد{[71279]} من كونه ، فعلم أن التساؤل عنه للتعجب من{[71280]} كونه من أعظم الجهل ، فرجع آخرها على أولها ، وانعطف مفصلها أي انعطاف على موصلها ، واتصل مع ذلك بما بعدها أي اتصال ، فإن المشرف بالنزع على{[71281]} الموت يرى كثيراً من الأهوال والزلازل والأوجال التي يتمنى لأجلها أنه كان منقطعاً عن الدنيا ليس له بها وصال يوماً من الأيام ولا ليلة من الليال - والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب .
فقد علم أن ذلك اليوم في غاية العظمة وأنه لا بد من كونه ، فعلم أن التساؤل عنه للتعجب من كونه من أعظم الجهل ، فرجع آخرها على أولها ، وانعطف مفصلها أي انعطاف على موصلها ، واتصل مع ذلك بما بعدها أي اتصال ، فإن المشرف بالنزع على الموت يرى كثيراً من الأهوال والزلازل{[1]} والأوجال التي يتمنى لأجلها أنه كان منقطعاً عن الدنيا ليس له{[2]} بها وصال يوماً من الأيام ولا ليلة من الليال{[3]} - والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب{[4]} .
قوله : { إنا أنذرناكم عذابا قريبا } يخوف الله المشركين المكذبين بالعذاب القريب وهو عذاب يوم القيامة فإنه لا جرم قريب ، لأنه لا محالة آت وكل ما هو آت قريب .
قوله : { يوم ينظر المرء ما قدمت يداه } يعرض على المرء يوم القيامة كل أعماله من خير أو شر { ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا } يتمنى الكافر بفرط إياسه وهول ما يرى من العذاب أن لو كان ترابا كالبهائم التي تصير يوم القيامة ترابا . وذلك بعد أن يحصل القصاص بينها فيقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء فإذا فرغ من القصاص من بعضها لبعض قال لها : كوني ترابا . فعند ذلك يقول الكافر مستيئسا متحسّرا { ياليتني كنت ترابا } {[4743]} .