في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما . قل : ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة . والله خير الرازقين ) . .

عن جابر - رضي الله عنه - قال : " بينا نحن نصلي مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إذ أقبلت عير تحمل طعاما ، فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إلا اثنا عشر رجلا ، منهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما . فنزلت : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) . . "

وفي الآية تلويح لهم بما عند الله وأنه خير من اللهو ومن التجارة . وتذكير لهم بأن الرزق من عند الله ( والله خير الرازقين ) . .

وهذا الحادث كما أسلفنا يكشف عن مدى الجهد الذي بذل في التربية وبناء النفوس حتى انتهت إلى إنشاء تلك الجماعة الفريدة في التاريخ . ويمنح القائمين على دعوة الله في كل زمان رصيدا من الصبر على ما يجدونه من ضعف ونقص وتخلف وتعثر في الطريق . فهذه هي النفس البشرية بخيرها وشرها . وهي قابلة أن تصعد مراقي العقيدة والتطهر والتزكي بلا حدود ، مع الصبر والفهم والإدراك والثبات والمثابرة ، وعدم النكوص من منتصف الطريق . والله المستعان

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

اللهو : كل ما يلهى عن ذكر الله .

انفضّوا : انصرفوا .

روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قدمت عِير ( إبل محمَّلة طعاما وغير ذلك من الشام ) فابتدرها الناس حتى لم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلاً أنا فيهم وأبو بكر وعمر ، فأنزل الله تعالى : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً } . . .

والذي قدِم بهذه التجارة دِحْيةُ الكلبي من الشام ، وكانت العادةُ إذا قدمت هذه العير يُضرب بالطبل ليؤذَنَ الناسُ بقدومها ، فيخرجوا ليبتاعوا منها ، فيخرج الناس . فصادف مجيءُ هذه العِير وقتَ صلاة الجمعة ، فترك عدد من المصلّين الصلاة وذهبوا إليها . فعاتبهم الله على ذلك وأفهمهم أن الصلاة لها وقتٌ محترم

ولا يجوز تركها . ثم رغّبهم في سماع العظات من الأئمة وأن الله عنده ما هو خير من اللهو ومن التجارة ، فقال :

{ قُلْ مَا عِندَ الله خَيْرٌ مِّنَ اللهو وَمِنَ التجارة والله خَيْرُ الرازقين }

فاطلبوا رزقه وتوكلوا عليه ، ولا يأخذ كل إنسان إلا ما كُتب له . والله كفيل بالأرزاق للجميع .

وكان عراك بن مالك ، رضي الله عنه ، إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : اللهم إنّي أجبتُ دعوتك ، وصلّيت فريضتك ، وانتشرت كما أمرتَني ، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين . عراك هذا من التابعين من الفقهاء العلماء .

والحمد لله أولا وآخرا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

{ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا } أي : خرجوا من المسجد ، حرصًا على ذلك اللهو ، و [ تلك ] التجارة ، وتركوا الخير ، { وَتَرَكُوكَ قَائِمًا } تخطب الناس ، وذلك [ في ] يوم جمعة ، بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس ، إذ قدم المدينة ، عير تحمل تجارة ، فلما سمع الناس بها ، وهم في المسجد ، انفضوا من المسجد ، وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب استعجالًا لما لا ينبغي أن يستعجل له ، وترك أدب ، { قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ } من الأجر والثواب ، لمن لازم الخير وصبر نفسه على عبادة الله .

{ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ } التي ، وإن حصل منها بعض المقاصد ، فإن ذلك قليل منغص ، مفوت لخير الآخرة ، وليس الصبر على طاعة الله مفوتًا للرزق ، فإن الله خير الرازقين ، فمن اتقى الله رزقه من حيث لا يحتسب .

وفي هذه الآيات فوائد عديدة :

منها : أن الجمعة فريضة على جميع المؤمنين ، يجب عليهم السعي لها ، والمبادرة والاهتمام بشأنها .

ومنها : أن الخطبتين يوم الجمعة ، فريضتان{[1099]}  يجب حضورهما ، لأنه فسر الذكر هنا بالخطبتين ، فأمر الله بالمضي إليه والسعي له .

ومنها : مشروعية النداء ليوم الجمعة ، والأمر به .

ومنها : النهى عن البيع والشراء ، بعد نداء الجمعة ، وتحريم ذلك ، وما ذاك إلا لأنه يفوت الواجب ويشغل عنه ، فدل ذلك على أن كل أمر ولو كان مباحًا في الأصل ، إذا كان ينشأ عنه تفويت واجب ، فإنه لا يجوز في تلك الحال .

ومنها : الأمر بحضور الخطبتين{[1100]}  يوم الجمعة ، وذم من لم يحضرهما ، ومن لازم ذلك الإنصات لهما .

ومنها : أنه ينبغي للعبد المقبل على عبادة الله ، وقت دواعي النفس لحضور اللهو [ والتجارات ] والشهوات ، أن يذكرها بما عند الله من الخيرات ، وما لمؤثر رضاه على هواه .

تم تفسير سورة الجمعة ، ولله الحمد والثناء{[1101]} .


[1099]:- في ب: فريضة.
[1100]:- كذا في ب، وفي أ: الخطبة.
[1101]:- في ب: بمن الله وعونه والحمد لله رب العالمين.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

{ وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها } أي تفرقوا عنك الى التجارة وكان النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم الجمعة فقدمت عير وضرب لقدومها الطبل وكان ذلك في زمان غلاء بالمدينة فتفرق الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم الى التجارة وصوت الطبل ولم يبق معه الا اثنا عشر نفسا وقوله { وتركوك قائما } أي في الخطبة { قل ما عند الله } للمؤمنين { خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين } فاياه فاسألوا ولا تنفضوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم لطلب الرزق

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

قوله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضّوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين } .

ذلك عتاب من الله للمؤمنين على ما وقع منهم ، إذ انصرفوا عن الخطبة يوم الجمعة إلى التجارة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا . فنزلت الآية {[4541]} { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها } المراد باللهو هنا الطبل أو المزامير . وقد كانوا إذا حصل نكاح لعب أهله وضربوا بالطبل وعزفوا على المزامير ومروا بذلك على المسجد فإذا رأى الناس عير التجارة أو صوت اللهو { انفضوا إليها } أي انصرفوا إلى التجارة . وقد كنّى بالتجارة دون اللهو لدخوله في حكمها أو لأنها أهم . أو لأنها آخر الاسمين .

قوله : { وتركوك قائما } أي انصرفوا إلى التجارة وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر يخطب ولم يبق معه إلا قليل منهم .

قوله : { قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة } أي قل لهم يا محمد : ما عند الله من حسن الجزاء وجميل العطاء أفضل وأحسن مما انصرفتم إليه . وإنما انصرفتم نحو متاع زائل ما ينبغي لكم أن تخفّوا إليه ذاهبين تاريكين الخطبة وسماع الموعظة والذكرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم { والله خير الرازقين } الله جل وعلا هو المالك وهو الرازق فاسألوه يعطكم من فضله وهو سبحانه خير رزاق .

ومن أحكام الجمعة انعقادها بجماعة . واختلفوا في العدد الذي تنعقد به الجمعة . فقيل : تنعقد باثنين ، وهو قول الحسن البصري . وقيل : تنعقد بثلاثة وهو قول الليث ابن سعد . وقيل : تنعقد بأربعة وهو قول الإمام أبي حنيفة . وقيل : تنعقد باثني عشر رجلا . وعند الإمام الشافعي ، تنعقد بأربعين رجلا . وعلى هذا قالوا : كل قرية فيها أربعون رجلا بالغين عقلاء أحرارا مقيمن لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء إلا ظعن حاجة وجبت عليهم الجمعة .

واشترط الإمام أبو حنيفة لوجوبها وانعقادها ، المصر الجامع والسلطان . وعلى هذا لا تصح الجمعة عند الحنيفة بغير إذن الإمام وحضوره ، خلافا لجمهور العلماء إذ قالوا : تجب الجمعة ولو لم يأذن الإمام أو يحضر . وهو الصحيح استنادا إلى ظاهر الآية فإنها بإطلاقها تفيد الوجوب .

أما الخطبة ، فهي شرط في انعقاد الجمعة فلا تصح إلا بها . وهو قول الجمهور من العلماء . وقيل : إنها مستحبة . والصحيح وجوبها ويدل على هذا قوله : { وتركوك قائما } فقد ذم الانفضاض عن النبي صلى الله عليه وسلم وترك السماع لخطبته وهو ( عليه الصلاة والسلام ) لم يصل الجمعة إلا بخطبة . وتصح الخطبة يوم الجمعة من غير وضوء مع الكراهة ولا تجب إعادتها . واشترط الإمام الشافعي في الجديد الطهارة .

وإذا دخل المصلي المسجد والإمام يخطب فإنه لا يصلي ، بل يجلس ليستمع وهو قول الإمام مالك ، خلافا للشافعي وآخرين إذ قالوا : يصلي ركعتين خفيفتين ثم يجلس . وذلك لما رواه مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما " {[4542]} .


[4541]:أسباب النزول للنيسابوري ص 286.
[4542]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 366 – 369 وتفسير القرطبي جـ 18 ص 111- 118 وأحكام القرآن للجصاص جـ 5 ص 340 –343.