في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

33

بعد ذلك يعود السياق ليجول بهم جولة جديدة ، لا في مشاهد الكون من حولهم ، ولكن في ذوات أنفسهم ، وفي أطوار نشأتهم على هذه الأرض ؛ ويمتد بالجولة إلى نهايتها هنالك في الحياة الأخرى . في ترابط بين الحياتين وثيق :

الله الذي خلقكم من ضعف ، ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة - يخلق ما يشاء - وهو العليم القدير . ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة . كذلك كانوا يؤفكون . وقال الذين أوتوا العلم والإيمان : لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ، فهذا يوم البعث ، ولكنكم كنتم لا تعلمون . فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون . .

إنها جولة مديدة ، يرون أوائلها في مشهود حياتهم ؛ ويرون أواخرها مصورة تصويرا مؤثرا كأنها حاضرة أمامهم . وهي جولة موحية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

( الله الذي خلقكم من ضعف ) . . ولم يقل خلقكم ضعافا أو في حالة ضعف إنما قال : ( خلقكم من ضعف )كأن الضعف مادتهم الأولى التي صيغ منها كيانهم . . والضعف الذي تشير الآية إليه ذو معان ومظاهر شتى في تكوين هذا الإنسان .

إنه ضعف البنية الجسدية الممثل في تلك الخلية الصغيرة الدقيقة التي ينشأ منها الجنين . ثم في الجنين وأطواره وهو فيها كلها واهن ضعيف . ثم في الطفل والصبي حتى يصل إلى سن الفتوة وضلاعة التكوين .

ثم هو ضعف المادة التي ذرأ منها الإنسان . الطين . الذي لولا نفخة من روح الله لظل في صورته المادية أو في صورته الحيوانية ، وهي بالقياس إلى الخلقة الإنسانية ضعيفة ضعيفة .

ثم هو ضعف الكيان النفسي أمام النوازع والدفعات ، والميول والشهوات ، التي لولا النفخة العلوية وما خلقت في تلك البنية من عزائم واستعدادات ، لكان هذا الكائن أضعف من الحيوان المحكوم بالإلهام .

( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ) . . قوة بكل تلك المعاني التي جاءت في الحديث عن الضعف . قوة في الكيان الجسدي ، وفي البناء الإنساني ، وفي التكوين النفسي والعقلي .

( ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ) . . ضعفا في الكيان الإنساني كله . فالشيخوخة انحدار إلى الطفولةبكل ظواهرها . وقد يصاحبها انحدار نفسي ناشئ من ضعف الإرادة حتى ليهفو الشيخ أحيانا كما يهفو الطفل ، ولا يجد من إرادته عاصما . ومع الشيخوخة الشيب ، يذكر تجسيما وتشخيصا لهيئة الشيخوخة ومنظرها .

وإن هذه الأطوار التي لا يفلت منها أحد من أبناء الفناء ، والتي لا تتخلف مرة فيمن يمد له في العمر ، ولا تبطئ مرة فلا تجيء في موعدها المضروب . إن هذه الأطوار التي تتعاور تلك الخليقة البشرية لتشهد بأنها في قبضة مدبرة ، تخلق ما تشاء ، وتقدر ما تشاء ، وترسم لكل مخلوق أجله وأحواله وأطواره ، وفق علم وثيق وتقدير دقيق : ( يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ) .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

{ الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير( 54 ) }

المفردات :

خلقكم من ضعف : ابتدأكم ضعفاء وقيل : خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة .

ثم جعل من بعد ضعف قوة : بعد ضعف الطفولة قوة الشباب بعد بلوغ الحلم .

ضعفا وشيبة : ثم ردكم إلى أصل حالكم من الضعف بالشيخوخة والهرم .

التفسير :

{ الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير . }

خلق الله الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم كون عظامه ثم كسا العظام لحما ، ونفخ فيه الروح ثم أخرجه من بطن أمه واهنا ضعيفا فقوله : من ضعف . . . أي : ابتدأه ضعيفا ثم يشب الوليد قليلا قليلا ، فيكون صغيرا ثم فتى ، ثم شابا قويا يتمتع بالقوة في الكيان الجسدي وفي البناء الإنساني وفي التكوين النفسي والعقلي .

{ ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة . . . } ينحدر الإنسان من قمة هرم الشباب إلى سفح الهرم متدرجا من القوة إلى الضعف في الجسم والإرادة ، حتى ليهفو الشيخ أحيانا كما يهفو الطفل ولا يجد من إرادته عاصما ومع الشيخوخة الشيب يذكر تجسيما وتشخيصا لهيئة الشيخوخة ومنظرها .

وإن هذه الأطوار التي لا يفلت منها أحد من أبناء الفناء ولا تتخلف مرة فيمن يمد له في العمر دليل على أن الخليقة في يد القبضة الإلهية المدبرة .

{ يخلق ما يشاء وهو العليم القدير . }

يفعل الله ما يشاء ويوجد ويبدع ما يشاء من ضعف وقوة ، وبدء وإعادة ويتصرف في عبيده بما يريد وهو العليم التام العلم بتدبير خلقه القدير الشامل القدرة على ما يشاء .

والآية وصف لمراحل العمر التي يمر بها الإنسان حيث يولد ضعيفا ثم يصل إلى القوة في مرحلة الشباب ثم يعود إلى الضعف في مرحلة الشيخوخة ، ولو تصورنا الحياة أشبه بهرم فإن مرحلة الشباب هي قمة ذلك الهرم والطفولة بداية السفح والشباب صعود للقمة ، والشيخوخة عود على سفح الهرم .

وقد أمرنا الإسلام بإعداد القوة ، والمحافظة على الصحة والرقى النفسي والفكري والعاطفي وذلك بالقراءة والرياضة والمشي والسباحة ، والتأمل والتدبر في ملكوت السماوات والأرض والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره وتقبل مراحل العمر والإبداع فيها بما يناسبها من تقديم الخبرة ومساعدة العباد والتعاون والتراحم وعمل الخير وتفريج كربة المكروب والإحسان للعمل وبذلك يكون المؤمن منفعة ومعونة ونعمة لكل من حوله .

***

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ} (54)

قوله تعالى : { فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين* وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون*الله الذي خلقكم من ضعف } قرئ بضم الصاد وفتحها ، فالضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم ، ومعنى من ضعف ، أي : من نطفة ، يريد من ذي ضعف ، أي : من ماء ذي ضعف كما قال تعالى : { ألم نخلقكم من ماء مهين } { ثم جعل من بعد ضعف قوة }أي : من بعد ضعف الطفولة شباباً ، وهو وقت القوة ، { ثم جعل من بعد قوة ضعفاً } هرماً ، { وشيبةً يخلق ما يشاء } من الضعف والقوة والشباب والشيبة ، { وهو العليم } بتدبير خلقه ، { القدير } على ما يشاء .