كذلك يمن عليهم ويبشرهم بأخرى غير هذه . لم يقدروا عليها بقوتهم ، ولكن الله تولاها عنهم بقدرته وتقديره : ( وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ، وكان الله على كل شيء قديرا ) . .
وتختلف الروايات في هذه الأخرى . أهي فتح مكة ? أهي فتح خيبر ? أهي فتوح مملكتي كسرى وقيصر ? أهي فتوح المسلمين التي تلت هذه الوقعة جميعا ?
وأقرب ما يناسب السياق أن تكون هي فتح مكة . بعد صلح الحديبية وبسبب من هذا الصلح . الذي لم يدم سوى عامين ، ثم نقضه المشركون ، ففتح الله مكة للمسلمين بلا قتال تقريبا . وهي التي استعصت عليهم من قبل ، وهاجمتهم في عقر دارهم ، وردتهم عام الحديبية . ثم أحاط الله بها ، وسلمها لهم بلا قتال - ( وكان الله على كل شيء قديرا ) . . فهذه بشرى ملفوفة في هذا الموضع ، لم يحددها لأنها كانت عند نزول هذه الآية غيبا من غيب الله . أشار إليه هذه الإشارة لبث الطمأنينة والرضى والتطلع والاستبشار .
وأخرى : ومغانم أخرى ، هي مغانم فارس والروم .
أحاط الله بها : أعدها لكم وهي تحت قبضته يظهر عليها من أراد .
21- { وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا } .
وغنائم أخرى وعدكم الله إياها ، غير غنائم خيبر ، مثل فتح مكة وحنين والطائف ، وقد غنم المسلمون منها مغانم كثيرة ، وقيل : المقصود غنائم فارس والروم ، لم تقدروا عليها الآن ، لكن الله العلي القدير قد أحاط بها ، ودبر حفظها وتيسير أمرها للمسلمين ، حين يتقدمون لفتح هذه البلاد في عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب ، الذي ارتعدت منه الأكاسرة والقياصرة ، كما قال الشاعر :
يا من رأى عمرا تكسوه بردته *** والزيت أدم له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقا *** من بطشه وملوك الروم تخشاه
{ وكان الله على كل شيء قديرا } .
حيث دبر سبحانه اقتتال الروم مع الفرس ، وهزيمة الروم أولا ، ثم انتصارهم ثانيا ، ثم تهيئة الفريقين للانهزام أمام المسلمين ، بتدبير الله الذي ينصر من يشاء ، وهو على كل شيء قدير ، إذا أراد أمرا هيأ له الأسباب ، ثم قال له كن فيكون ، فهو سبحانه كان ولا يزال قادرا مقتدرا ، لا يعجزه شيء .
ولما سرهم سبحانه بما بشرهم به من كون القضية فتحاً ومن غنائم خيبر ، أتبع ذلك البشارة دالاً على أنها لا مطمع لهم في حوزه ولا علاجه لولا{[60381]} معونته فقال : { وأخرى } أي ووعدكم مغانم كثيرة غير هذه وهي - والله أعلم - مغانم هوازن التي لم يحصل قبلها ما يقاربها . ولما كان في علمه سبحانه وتعالى أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم مقرون فيها إلا من لا يمكنه في العادة أن يهزمهم ليحوي الغنائم ، فكان ما في علمه تعالى لتحققه كالذي وقع وانقضى ، قال تعالى : { لم تقدروا } أي بما علمتم من قراركم { عليها } ولما توقع السامع-{[60382]} بعد علمه بعجزهم عنها الإخبار عن السبب الموصل إلى أخذها بما تقرر عند من صدق الوعد بها ، قال مفتتحاً بحرف التوقع : { قد أحاط الله } أي المحيط بكل شيء علماً وقدرة { بها } فكانت بمنزلة ما أدير عليه{[60383]} سور مانع من أن يغلب منها شيء عن حوزتكم أو يقدر غيركم أن يأخذ منها شيئاً ، {[60384]}ولذلك{[60385]} و-{[60386]}للتعميم ختم الآية بقوله : { وكان الله } أي المحيط بجميع صفات{[60387]} الكمال أزلاً وأبداً { على كل شيء } منها ومن غيرها { قديراً * } بالغ القدرة لأنه بكل شيء عليم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.