ثم يتجه الخطاب إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ومن معه من المهتدين المتقين المتطلعين ؛ ليأخذوا طريقا آخر . طريق العلم والمعرفة والذكر والاستغفار ، والشعور برقابة الله وعلمه الشامل المحيط ؛ ويعيشوا بهذه الحساسية يرتقبون الساعة وهم حذرون متأهبون :
( فاعلم أنه لا إله إلا الله ؛ واستغفر لذنبك ، وللمؤمنين والمؤمنات ؛ والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) . .
وهو التوجيه إلى تذكر الحقيقة الأولى التي يقوم عليها أمر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ومن معه :
( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) . .
وعلى أساس العلم بهذه الحقيقة واستحضارها في الضمير تبدأ التوجيهات الأخرى :
وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . ولكن هذا واجب العبد المؤمن الشاعر الحساس الذي يشعر أبدا بتقصيره مهما جهد ؛ ويشعر - وقد غفر له - أن الاستغفار ذكر وشكر على الغفران . ثم هو التلقين المستمر لمن خلف رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ممن يعرفون منزلته عند ربه ؛ ويرونه يوجه إلى الذكر والاستغفار لنفسه . ثم للمؤمنين والمؤمنات . وهو المستجاب الدعوة عند ربه . فيشعرون بنعمة الله عليهم بهذا الرسول الكريم . وبفضل الله عليهم وهو يوجهه لأن يستغفر لهم ، ليغفر لهم ! واللمسة الأخيرة في هذا التوجيه :
( والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) . .
حيث يشعر القلب المؤمن بالطمأنينة وبالخوف جميعا . الطمأنينة وهو في رعاية الله حيثما تقلب أو ثوى . والخوف من هذا الموقف الذي يحيط به علم الله ويتعقبه في كل حالاته ، ويطلع على سره ونجواه . .
إنها التربية . التربية باليقظة الدائمة والحساسية المرهفة ، والتطلع والحذر والانتظار . .
متقلبكم : تصرفكم وتقلبكم لأشغالكم في الدنيا .
ومثواكم : إما سكونكم ومأواكم إلى مضاجعكم في الليل ، وإما مأواكم في الجنة أو النار . أي : هو عالم بجميع أحوالكم في الدنيا والآخرة ، لا يخفى عليه شيء منها .
19- { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم } .
الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمراد كل من يتأتى منه العلم ، أي : ازدد يقينا وعلما وإيمانا بأن الكون جميعه ليس له إلا إله واحد ، هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد ، وكرر الاستغفار والتوبة والإنابة وطلب المغفرة ، وستر الذنوب ومحو السيئات ، وتثبيت الحسنات ، وادع الله أن يغفر لك وللمؤمنين والمؤمنات .
وقد أورد ابن كثير في تفسيره طائفة من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تدل على فضل الاستغفار ، ومنزلته العالية في مغفرة الذنب ، ومن هذه الأحاديث ما يأتي : -
في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر الصلاة : ( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت إلهي لا إله إلا أنت ) .
وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( يا أيها الناس ، توبوا إلى ربكم فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) .
{ والله يعلم متقلبكم ومثواكم } .
والله تعالى مطلع وعالم بمتقلبكم وتصرفاتكم في نهاركم ، ويعلم ، { مثواكم } . ومستقركم في ليلكم .
كقوله تعالى : { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار . . . } ( الأنعام : 60 ) .
وقوله سبحانه : { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين } . ( هود : 6 ) .
وعن ابن عباس قال : { متقلبكم } . في الدنيا ، { ومثواكم } . في الآخرة .
وقال السدي : { متقلبكم } . في الدنيا ، { ومثواكم } . في قبوركم .
وأرى أن الآية تتسع لتناول الوجوه المذكورة كلها ، فالله سبحانه مطلع وعالم بحركاتنا بالنهار ومثوانا بالليل ، وهو عالم في نفس الوقت بحركتنا وعملنا في الدنيا ، ومثوانا في قبرونا ، ومآلنا في آخرتنا ، والله أعلم .
{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ( 19 ) }
فاعلم -يا محمد- أنه لا معبود بحق إلا الله ، واستغفر لذنبك ، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات . والله يعلم تصرفكم في يقظتكم نهارًا ، ومستقركم في نومكم ليلا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.