في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَايَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَيَهۡدِيَكُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (20)

18

وبعد ذلك التبليغ العلوي الكريم للرسول الأمين عن المؤمنين المبايعين يتجه بالحديث إلى المؤمنين أنفسهم . الحديث عن هذا الصلح ، أو عن هذا الفتح ، الذي تلقوه صابرين مستسلمين :

( وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ، فعجل لكم هذه ، وكف أيدي الناس عنكم ، ولتكون آية للمؤمنين ، ويهديكم صراطا مستقيما . وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ، وكان الله على كل شيء قديرا ) . .

وهذه بشرى من الله للمؤمنين سمعوها وأيقنوها ، وعلموا أن الله أعد لهم مغانم كثيرة ، وعاشوا بعد ذلك

ما عاشوا وهم يرون مصداق هذا الوعد الذي لا يخلف . وهنا يقول لهم : إنه قد عجل لهم هذه . وهذه قد تكون صلح الحديبية - كما روي عن ابن عباس - لتأكيد معنى أنه فتح ومغنم . وهو في حقيقته كذلك كما أسلفنا من قول رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومن وقائع الحال الناطقة بصدق هذا الاعتبار . كما أنها قد تكون فتح خيبر - كما روي عن مجاهد - باعتبار أنها أقرب غنيمة وقعت بعد الحديبية . والأول أقرب وأرجح .

ويمن الله عليهم بأنه كف أيدي الناس عنهم . وقد كف الله عنهم أيدي المشركين من قريش كما كف أيدي سواهم من أعدائهم الذين يتربصون بهم الدوائر . وهم قلة على كل حال ، والناس كثرة . ولكنهم وفوا ببيعتهم ، ونهضوا بتكاليفهم ، فكف الله أيدي الناس عنهم ، وأمنهم .

( ولتكون آية للمؤمنين ) . . هذا الوقعة التي كرهوها في أول الأمر ، وثقلت على نفوسهم . فالله ينبئهم أنها ستكون آية لهم ، يرون فيها عواقب تدبير الله لهم ، وجزاء طاعتهم لرسول الله واستسلامهم . مما يثبت في نفوسهم أنها شيء عظيم ، وخير جزيل ، ويلقي السكينة في قلوبهم والاطمئنان والرضى واليقين .

( ويهديكم صراطا مستقيما ) . . جزاء طاعتكم وامتثالكم وصدق سريرتكم . وهكذا يجمع لهم بين المغنم ينالونه ، والهداية يرزقونها . فيتم لهم الخير من كل جانب . في الأمر الذي كرهوه واستعظموه . وهكذا يعلمهم أن اختيار الله لهم هو الاختيار ؛ ويربي قلوبهم على الطاعة المطلقة والامتثال .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَايَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَيَهۡدِيَكُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (20)

20

المفردات :

المغانم الكثيرة : ما وعد به المؤمنون إلى يوم القيامة .

فعجل لكم هذه : مغانم خيبر .

وكف أيدي الناس عنكم : أيدي قريش بالصلح ، وأيدي أهل خيبر وحلفائها من بني أسد وغطفان ، وأيدي اليهود عن المدينة ، إذ هموا بعيالكم بعد خروج الرسول صلى الله عليه وسلم منها إلى الحديبية ، بأن قذف في قلوبهم الرعب .

آية : علامة وأمارة .

للمؤمنين : أمارة للمؤمنين في نصرهم ، يعرفون بها صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في وعدهم بفتح خيبر وبالمغانم وغير ذلك ، ومعرفة المؤمنين الذين سيأتون بعد أن كلاءته تعالى ستمنعهم أيضا ما داموا على الجادة .

الصراط المستقيم : الثقة بفضل الله ، والتوكل عليه ، فيما تأتون وتذرون .

التفسير :

20- { وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } .

وعد الله المؤمنين إذا استمروا على الجهاد في سبيل الله ، ولإعلاء كلمة الله ، أن يغنموا مغانم كثيرة إلى يوم القيامة ، ومنها ما غنموه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما غنموه في حياة خلفائه ، وفي تاريخهم في ماضي حياتهم ، وفي مستقبل حياتهم إن شاء الله ، قال تعالى : { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } . ( غافر : 51 ) .

{ فعجل لكم هذه . . . }

عجل لكم فتح خيبر ، مكافأة عاجلة لما أظهرتم يوم الحديبية من البيعة ، ومن طاعة الرسول في الحرب والسلم .

{ وكف أيدي الناس عنكم . . . }

كف أيدي أهل مكة عن قتالكم ، ورغبوا في مصالحتكم ، فرجعتم وافرين سالمين ، وكف أيدي اليهود بالمدينة عن نسائكم وصبيانكم ، بإلقاء الرعب في قلوبهم ، وكف أيدي أهل خيبر وحلفائهم من أسد وغطفان عن قتالكم ، وقذف في قلوبهم الرعب ، فنكصوا على أعقابهم ، وولوا هاربين فزعا وخوفا ، كل ذلك لتشكروه ، { ولتكون آية للمؤمنين . . . } يعرفون منها صدق رسولهم صلى الله عليه وسلم في جميع ما يعدهم به ، وأن الله حافظهم وناصرهم على جميع الأعداء مع قلة العدد .

{ ويهديكم صراطا مستقيما . . . }

ويلهمكم الصواب والتوفيق في سلوك الطريق الأمثل ، الواضح القويم ، الذي يوصلكم إلى ما تبتغون في عزة وأمان .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَايَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَيَهۡدِيَكُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (20)

لتكون آية للمؤمنين : وذلك علامة صدق الرسول الكريم ، وحياطة من الله لرسوله وللمؤمنين ، وليوقنَ المؤمنون الذين سيأتون أن رعايته تعالى ستعمُّهم أيضاً ما داموا على التقوى والصلاح .

ثم بين الله أن ما آتاهم من الفتح والمغانم ليس هو الثواب وحده ، بل سيأتيهم جزاء أكبر . . وإنما عجّل لكم هذه لتكون آية على صدق رسوله الكريم وحياطته له ، وحراسته للمؤمنين وليثبتكم على الإسلام ، وليزيدكم بصيرة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَايَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَيَهۡدِيَكُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (20)

قوله تعالى : { وعدكم الله مغانم كثيرةً تأخذونها } وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم القيامة ، { فعجل لكم هذه } يعني خيبر ، { وكف أيدي الناس عنكم } ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصد خيبر وحاصر أهلها همت قبائل من أسد وغطفان أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة ، فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم ، وقيل : كف أيدي الناس عنكم يعني أهل مكة بالصلح ، { ولتكون } كفهم وسلامتكم ، { آيةً للمؤمنين } على صدقك ويعلموا أن الله هو المتولي حياطتهم وحراستهم في مشهدهم ومغيبهم ، { ويهديكم صراطاً مستقيماً } يثبتكم على الإسلام ويزيدكم بصيرة ويقيناً بصلح الحديبية ، وفتح خيبر وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المحرم ثم خرج في بقية المحرم سنة سبع إلى خيبر .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس بن جعفر " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغير بنا حتى يصبح وينظر إليهم ، فإن سمع أذاناً كف عنهم ، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم قال : فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلاً فلما أصبح ولم يسمع أذاناً ركب وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم النبي صلى الله عليه وسلم : قال : فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم ، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : محمد -والله- محمد والخميس ، فلجئوا إلى الحصن ، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الله أكبر ، الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين " . أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عبد الله ابن عبد الرحمن الدارمي ، أنبأنا أبو علي الحنفي ، حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا إياس بن سلمة ، حدثني أبي قال : خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم شعرا :

تالله لولا الله ما اهتدينا*** ولا تصدقنا ولا صلينا

ونحن عن فضلك ما استغنينا*** فثبت الأقدام إن لاقينا

وأنزلن سكينةً علينا*** إن الألى قد بغوا علينا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من هذا ؟ فقال : أنا عامر ، غفر لك ربك ، قال : وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد ، قال : فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له : يا نبي الله لولا متعتنا بعامر ، قال : فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول : قد علمت خيبر أني مرحب*** شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب *** . . .

قال : وبرز له عمي عامر ، فقال :

قد علمت خيبر أني عامر*** شاكي السلاح بطل مغامر

قال فاختلفا ضربتين ، فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له ، فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله ، وكانت فيها نفسه . قال سلمة : فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون : بطل عمل عامر قتل نفسه ، قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابكي ، فقلت : يا رسول الله بطل عمل عامر قتل نفسه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : من قال ذلك ؟ قلت : ناس من أصحابك ، قال : كذب من قال ذلك ، بل له أجره مرتين ، ثم أرسلني إلى علي رضي الله عنه -وهو أرمد- فقال : لأعطين الراية غدا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، قال : فأتيت علياً رضي الله عنه فجئت به أقوده وهو أرمد ، حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في عينيه فبرأ ، وأعطاه الراية ، وخرج مرحب فقال : قد علمت خيبر أني مرحب*** شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب *** . . .

فقال علي رضي الله عنه :

أنا الذي سمتني أمي حيدره*** كليث غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره *** . . .

قال : فضرب رأس مرحب فقتله ، ثم كان الفتح على يديه .

وروى حديث خيبر سهل بن سعد ، وأنس ، وأبو هريرة ، يزيدون وينقصون ، وفيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس ، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً ، ثم رجع فأخذها عمر رضي الله عنه فقاتل قتالاً شديداً ، هو أشد من القتال الأول ، ثم رجع ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ، فدعا علي بن أبي طالب فأعطاه إياها وقال : امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ، فأتى مدينة خيبر ، فخرج مرحب صاحب الحصن ، وعليه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه ، وهو يرتجز ، فبرز إليه علي فضربه فقد الحجر والبيضة والمغفر وفلق رأسه حتى أخذ السيف في الأضراس ، ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر ، يرتجز فخرج إليه الزبير بن العوام ، فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب : أيقتل ابني يا رسول الله ؟ قال : لا ، بل ابنك يقتله إن شاء الله ، ثم التقيا فقتله الزبير ، ثم لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يفتح الحصون ، ويقتل المقاتلة ويسبي الذرية ، ويحوز الأموال . قال محمد بن إسحاق : وكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن سلمة ، ألقت عليه اليهود حجراً فقتله ، ثم فتح العموص ، حصن ابن أبي الحقيق ، فأصاب منه سبايا ، منهم صفية بنت حيي بن أخطب ، جاء بلال بها وبأخرى معها ، فمر بهما على قتلى يهود ، فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أغربوا عني هذه الشيطانة ، وأمر بصفية فحيزت خلفه ، وألقى عليها رداء ، فعرف المسلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم اصطفاها لنفسه ، وقال رسول الله لبلال ، لما رأى من تلك اليهودية ما رأى : أنزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ، وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع ابن أبي الحقيق أن قمراً وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها ، فقال : ما هذا إلا أنك تتمنين ملك الحجاز محمداً ، فلطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، وبها أثر منها فسألها ما هو ؟ فأخبرته هذا الخبر ، وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بزوجها كنانة ابن الربيع ، وكان عنده كنز بني النضير فسأله ، فجحده أن يكون يعلم مكانه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل من اليهود فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني قد رأيت كنانة يطوف بهذه الخربة كل غداة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة : أرأيت إن وجدناه عندك أنقتلك ؟ قال : نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت ، فأخرج منها بعض كنزهم ، ثم سأله ما بقي فأبى أن يؤديه ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام فقال : عذبه حتى تستأصل ما عنده ، فكان الزبير يقدح بزنده في صدره حتى أشرف على نفسه ، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن سلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن سلمة " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد ابن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية ، حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر ، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس ، فركب أبو طلحة ، وأنا رديف أبي طلحة ، فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله ، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فلما دخل القرية قال : الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ، قالها ثلاثاً ، قال : وخرج القوم إلى أعمالهم ، فقالوا : محمد والخميس ، قاله عبد العزيز ، وقال بعض أصحابنا : والخميس يعني : الجيش ، قال : فأصبناها عنوة ، فجمع السبي فجاء دحية فقال : يا نبي الله أعطني جارية من السبي ، قال : اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي ، فجاء رجل إلى نبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير ، لا تصلح إلا لك ، قال : ادعوه بها ، فجاء بها ، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال : خذ جارية من السبي غيرها ، قال : فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها ، فقال له ثابت : يا أبا حمزة ما أصدقها ؟ قال : نفسها ، أعتقها فتزوجها ، حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم ، فأهدتها له من الليل ، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروساً ، فقال : من كان عنده شيء فليجيء به ، وبسط نطعاً فجعل الرجل يجيء بالتمر والآخر يجيء بالسمن ، قال : وأحسبه قد ذكر السويق ، قال : فحسوا حسياً فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد ابن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد الشيباني قال : " سمعت ابن أبي أوفى يقول : أصابتنا مجاعة ليالي خيبر ، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها ، فلما غلت القدور نادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفئوا القدور ولا تطعموا من لحوم الحمر شيئاً ، قال عبد الله بن عباس : فقلنا : إنما نهى النبي عنها لأنها لم تخمس ، وقال آخرون : حرمها البتة " ، وسألت عنها سعيد بن جبير فقال : حرمها البتة .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي ، أنبأنا خالد بن الحارث ، حدثنا شعبة ، عن هشام بن زيد ، عن أنس " أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة ، فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك ، فقالت : أردت أن أقتلك ، قال : ما كان ليسلطك على ذلك ، أو قال علي ، قال : قالوا ألا تقتلها يا رسول الله ؟ قال : لا وتجاوز عنها محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم " . وقال محمد بن إسماعيل قال يونس ، عن الزهري قال عروة ، قالت عائشة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : في مرضه الذي مات فيه : يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا محمد بن بشار ، أنبأنا حرمي ، أنبأنا شعبة قال : أخبرني عمارة ، عن عكرمة ، عن عائشة قالت : لما فتحت خيبر قلنا : الآن نشبع من التمر .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أحمد بن المقدام ، حدثنا فضيل بن سليمان ، حدثنا موسى بن عقبة ، أخبرني نافع ، عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على أهل خيبر أراد أن يخرج اليهود منها ، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين ، فسأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتركهم على أن يكفوا العمل ولهم نصف التمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نقركم على ذلك ما شئنا . فأقروا حتى أجلاهم عمر في إمارته إلى تيماء وأريحاء . قال محمد ابن إسحاق : فلما سمع أهل فدك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ويحقن لهم دماءهم ، ويخلوا له الأموال ، ففعل . ثم إن أهل خيبر سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم الأموال على النصف ، ففعل على أنا إذا شئنا أخرجناكم ، فصالحه أهل فدك على مثل ذلك ، فكانت خيبر للمسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب . فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية ، وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها : الذراع ، فأكثرت فيها السم ، وسممت سائر الشاة ، ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تناول الذراع فأخذها فلاك منها مضغة فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، وقد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما بشر فأساغها ، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ، ثم قال : إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ، ثم دعا بها فاعترفت ، فقال : ما حملك على ذلك ؟ قالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت : إن كان ملكاً استرحت منه ، وإن كان نبياً فسيخبر عنها ، فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومات بشر بن البراء من أكلته التي أكل . قال : ودخلت أم بشر بن البراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعوده في مرضه الذي توفي فيه ، فقال : يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت مع ابنك تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري ، وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله من النبوة .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَايَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَيَهۡدِيَكُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (20)

{ وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها } وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم القيامة { فعجل لكم هذه } يعني خيبر { وكف أيدي الناس عنكم } لما خرجوا وخلفوا عيالهم بالمدينة حفظ الله عليهم عيالهم وقد همت اليهود بهم فقذف الله في قلوبهم الرعب فانصرفوا { ولتكون } هزيمتهم وسلامتكم { آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما } يعني طريق التوكل وتفويض الأمر إلى الله سبحانه في كل شيء

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَايَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَيَهۡدِيَكُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (20)

قوله تعالى : " وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها " قال ابن عباس ومجاهد . إنها المغانم التي تكون إلى يوم القيامة . وقال ابن زيد : هي مغانم خيبر . " فعجل لكم هذه " أي خيبر ، قاله مجاهد . وقال ابن عباس : عجل لكم صلح الحديبية . " وكف أيدي الناس عنكم " يعني أهل مكة ، كفهم عنكم بالصلح . وقال قتادة : كف أيدي اليهود عن المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية وخيبر . وهو اختيار الطبري ؛ لأن كف أيدي المشركين بالحديبية مذكور في قوله : " وهو الذي كف أيديهم عنكم " {[14013]} [ الفتح : 24 ] . وقال ابن عباس : في " كف أيدي الناس عنكم " يعني عيينة بن حصن الفزاري وعوف بن مالك النضري ومن كان معهما ، إذ جاؤوا لينصروا أهل خيبر والنبي صلى الله عليه وسلم محاصر لهم ، فألقى الله عز وجل في قلوبهم الرعب وكفهم عن المسلمين " ولتكون آية للمؤمنين " أي ولتكون هزيمتهم وسلامتكم آية للمؤمنين ، فيعلموا أن الله يحرسهم في مشهدهم ومغيبهم . وقيل : أي لتكون كف أيديهم عنكم آية للمؤمنين . وقيل : أي ولتكون هذه التي عجلها لكم آية للمؤمنين على صدقك حيث وعدتهم أن يصيبوها . والواو في " ولتكون " مقحمة عند الكوفيين . وقال البصريون : عاطفة على مضمر ، أي وكف أيدي الناس عنكم لتشكروه ولتكون آية للمؤمنين . " ويهديكم صراطا مستقيما " أي يزيدكم هدى ، أو يثبتكم على الهداية .


[14013]:آية 24 من هذه السورة.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَايَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَيَهۡدِيَكُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (20)

ولما قرب ذلك وتأكد وتحرر وتقرر ، أقبل سبحانه وتعالى عليهم بالخطاب تأكيداً لمسامعهم فقال مزيلاً لكل احتمال يتردد في خواطر المخلفين{[60370]} : { وعدكم الله } أي الملك الأعظم { مغانم } وحقق معناها بقوله : { كثيرة تأخذونها } أي فيما يأتي من بلدان شتى لا تدخل تحت حصر ، ثم سبب عن هذا الوعد قوله : { فعجل لكم } أي منها { هذه } أي القضية التي أوقعها بينكم وبين قريش من وضع الحرب عشر سنين ، ومن أنكم تأتون في العام المقبل في مثل هذا الشهر{[60371]} معتمرين فإنها سبب ذلك كله ، عزاه أبو حيان{[60372]} لابن{[60373]} عباس رضي الله عنهما وهو في غاية الظهور ، ويمكن أن يكون المعنى : التي فتحها عليكم من خيبر من سبيها وأموالها المنقولات وغيرها { وكف أيدي الناس } أي من أهل خيبر وحلفائهم أسد وغطفان أن يعينوا أهل خيبر أو يغيروا على عيالاتكم{[60374]} بعد ما وهموا بذلك بعد ما كف أيدي قريش ومن دخل في عهدهم بالصلح { عنكم } على ما أنتم فيه من القلة والضعف .

ولما كان التقدير : رحمة لكم على طاعتكم لله ورسوله وجزاء لتقوى أيديكم ، وتروا أسباب الفتح القريبة بما يدخل من الناس في دينكم عند المخاطبة بسبب الإيمان ، عطف عليه قوله : { ولتكون } أي هذه الأسباب من الفتح والإسلام { آية } أي علامة هي في غاية الوضوح { للمؤمنين } أي منكم على دخول المسجد الحرام{[60375]} آمنين في العمرة{[60376]} ثم في الفتح ومنكم ومن غيركم من الراسخين في الإيمان إلى يوم القيامة على جميع ما يخبر الله به على ما وقع التدريب عليه في هذا التدبير الذي دبره لكم من أنه لطيف يوصل إلى الأشياء العظيمة بأضداد أسبابها فيما يرى الناس فلا يرتاع مؤمن لكثرة المخالفين وقوة المنابذين أبداً ، فإن سبب كون الله مع العبد هو الاتباع بالإحسان الذي عماده الرسوخ في الإيمان الذي علق الحكم به ، فحيث ما وجد عليه وجد المعلق وهو النصر بأسباب جلية أو خفية { ويهديكم } في نحو هذا الأمر الذي دهمكم فأزعجكم بالثبات عند سماع الموعد والوعيد والثقة بمضمونه لأنه قادر حكيم ، فهو لا يخلف الميعاد بأن يهديكم { صراطاً مستقيماً } أي طريقاً واسعاً واضحاً موصلاً إلى الكرامة من غير شك ، وهذا من أعلام النبوة فإنه {[60377]}لم يزغ أحد{[60378]} من المخاطبين بهذه الآية وهم أهل الحديبية وكأنه-{[60379]} والله أعلم لذلك لم يقل : ويهديهم{[60380]} - بالغيب على ما اقتضاه السياق لئلا يغم غيرهم ممن يظهر صدقه في الإيمان ثم يزيغ ، ولذا أكثر تفاصيل هذه السورة من أعلام النبوة ، فإنه وقع الإخبار به قبل وقوعه .


[60370]:من ظ ومد، وفي الأصل: المكلفين.
[60371]:زيد في الأصل: وأنتم، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[60372]:راجع البحر المحيط 8/97.
[60373]:من ظ ومد، وفي الأصل: لأن ابن.
[60374]:من ظ ومد، وفي الأصل: عيالكم.
[60375]:زيد في ظ: إن شاء الله.
[60376]:من ظ ومد، وفي الأصل: العجزة.
[60377]:من ظ ومد، وفي الأصل: يرع أحدكم.
[60378]:من ظ ومد، وفي الأصل: يرع أحدكم.
[60379]:زيد من ظ ومد.
[60380]:من مد، وفي الأصل و ظ: يهديكم.