وهو الإنذار الذي يوقظ من الخمار : ( إنا أنذرناكم عذابا قريبا ) . . ليس بالبعيد ، فجهنم تنتظركم وتترصد لكم . على النحو الذي رأيتم . والدنيا كلها رحلة قصيرة ، وعمر قريب !
وهو عذاب من الهول بحيث يدع الكافر يؤثر العدم على الوجود : ( يوم ينظر المرء ما قدمت يداه . ويقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا ) . . وما يقولها إلا وهو ضائق مكروب !
وهو تعبير يلقي ظلال الرهبة والندم ، حتى ليتمنى الكائن الإنساني أن ينعدم . ويصير إلى عنصر مهمل زهيد . ويرى هذا أهون من مواجهة الموقف الرعيب الشديد . . وهو الموقف الذي يقابل تساؤل المتسائلين وشك المتشككين . في ذلك النبأ العظيم ! ! !
الإنذار : الإخبار بالمكروه قبل وقوعه .
المرء : الإنسان ، ذكرا كان أو أنثى .
ما قدمت يداه : ما صنعه في حياته الأولى .
يا ليتني كنت ترابا : أي لم أصب حظّا من الحياة .
40- إنّا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا .
الخطاب لكفار مكة ولمنكري البعث ، ولكل من يتأتى منه الخطاب ، أي : خوّفناهم عذاب يوم القيامة ، وهو واقع لا محالة ، وكل آت قريب ، وفي ذلك اليوم يجد الإنسان أعماله حاضرة أمامه ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
قال تعالى : ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا . ( الكهف : 49 ) .
وفي ذلك اليوم يتمنى الكافر أنه لم يخلق ولم يبعث ولم يحاسب ويتمنى أن لو كان ترابا أو حجرا ، لما يرى من أهوال القيامة ، وشدة عقوبة الكافرين في جهنم .
قال المفسرون : وذلك حين يحشر الله الحيوانات يوم القيامة ، فيقتص للجماء من القرناء ، وبعد ذلك يصيّرها ترابا ، فيتمنى الكافر أن لو كان ترابا حتى لا يعذّب .
تم بحمد الله تعالى تفسير سورة ( النبأ ) ، مساء يوم السبت 4 من صفر 1422 ، الموافق 28/4/2001 .
i في ظلال القرآن ، للأستاذ سيد قطب ، 3/6 .
روه الترمذي في صفة جهنم ( 2574 ) وأحمد في مسنده ( 8225 ) من حديث أبي هريرة بلفظ : ( يخرج عنق من النار يوم اليقامة له عينان يبصر بهما ) .
iii تفسير الطبري المجلد 12 تفسير سورة النبأ ص 434 دار الغد العربي .
ما قدّمت يداه : ما عمل من خير أو شر .
ثم عاد إلى تهديدِ المعانِدين وتحذيرِهم من عاقبة عنادهم . . بأنهم سَيَعلمون غداً
ما قدّمت أيديهِم ويندمون حيثُ لا ينفع الندم .
فقال في خاتمة هذه السورة الكريمة :
{ إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الكافر يا ليتني كُنتُ تُرَاباً } .
نسأل الله تعالى أن يثبّتنا بالقول الثابت ، ويجعلَنا من الذين ينطقون بالصواب ، ويهديَنا إلى العملِ بكتابه وسًنة نبيه ، وأن يجمع كلمتنا ويوحّد صفوفنا لنحميَ أنفسَنا ونصون أوطاننا مما يهدّدنا من الأعداء . . .
ولما قدم في هذه السورة من شرح هذا النبأ العظيم ما قدم من الحكم والمواعظ واللطائف والوعد والوعيد ، لخصه في قوله مؤكداً لما لهم من التكذيب : { إنا } على ما لنا من العظمة { أنذرناكم } أي أيها الأمة وخصوصاً العرب بما مضى من هذه السورة وغيرها { عذاباً } ولما كان لا بد من إتيانه وكونه سواء كان بالموت أو بالبعث ، وكان كل ما تحقق إتيانه أقرب شيء قال : { قريباً } .
ولما حذر منه ، عين وقته مشدداً لتهويله فقال-{[71262]} : { يوم ينظر المرء } أي جنسه الصالح منه والطالح نظراً لا مرية فيه{[71263]} { ما } أي الذي { قدمت {[71264]}يداه } أي كسبه{[71265]} في الدنيا من خير وشر ، وعبر بهما لأنهما محل القدرة فكنى بهما عنها{[71266]} مع أن أكثر ما يعمل كائن بهما مستقلتين به أو مشاركتين فيه خيراً كان{[71267]} أو شراً . ولما كان التقدير : فيقول المؤمن : يا ليتني قمت قبل هذا ، عطف عليه قوله : { ويقول الكافر } أي العريق في الكفر عندما يرى من تلك-{[71268]} الأهوال متمنياً محالاً : { يا ليتني كنت } أي كوناً لا بد منه ولا يزول { تراباً * } أي في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف ، أو{[71269]} في هذا اليوم فلم أعذب ، والمراد به الجنس أو إبليس الذي تكبر عن السجود لآدم عليه السلام المخلوق من التراب ، وعظم نفسه بالحسد والافتخار بكونه مخلوقاً من نار ، يقول ذلك عندما يرى ما {[71270]}أعد الله{[71271]} لآدم عليه السلام ولخواص{[71272]} بنيه من الكرامة {[71273]}من النعيم المقيم ، ولهذا المتكبر على خالقه من العذاب الدائم الذي لا يزول{[71274]} ، وعن أبي هريرة و{[71275]}ابن عمر رضي الله عنهم أن الله تعالى يقتص{[71276]} يوم البعث للبهائم بعضها من بعض ثم يقول لها : كوني تراباً ، فتكون فيتمنى الكافر{[71277]} مثل ذلك{[71278]} . فقد علم أن ذلك اليوم في غاية العظمة وأنه لا بد{[71279]} من كونه ، فعلم أن التساؤل عنه للتعجب من{[71280]} كونه من أعظم الجهل ، فرجع آخرها على أولها ، وانعطف مفصلها أي انعطاف على موصلها ، واتصل مع ذلك بما بعدها أي اتصال ، فإن المشرف بالنزع على{[71281]} الموت يرى كثيراً من الأهوال والزلازل والأوجال التي يتمنى لأجلها أنه كان منقطعاً عن الدنيا ليس له بها وصال يوماً من الأيام ولا ليلة من الليال - والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب .
فقد علم أن ذلك اليوم في غاية العظمة وأنه لا بد من كونه ، فعلم أن التساؤل عنه للتعجب من كونه من أعظم الجهل ، فرجع آخرها على أولها ، وانعطف مفصلها أي انعطاف على موصلها ، واتصل مع ذلك بما بعدها أي اتصال ، فإن المشرف بالنزع على الموت يرى كثيراً من الأهوال والزلازل{[1]} والأوجال التي يتمنى لأجلها أنه كان منقطعاً عن الدنيا ليس له{[2]} بها وصال يوماً من الأيام ولا ليلة من الليال{[3]} - والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب{[4]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.