في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ، وهو العزيز الغفور ) . .

ومن آثار تمكنه المطلق من الملك وتصريفه له ، وآثار قدرته على كل شيء وطلاقة إرادته . . أنه خلق الموت والحياة . والموت يشمل الموت السابق على الحياة والموت اللاحق لها . والحياة تشمل الحياة الأولى والحياة الآخرة . وكلها من خلق الله كما تقرر هذه الآية ، التي تنشئ هذه الحقيقة في التصور الإنساني ؛ وتثير إلى جانبها اليقظة لما وراءها من قصد وابتلاء . فليست المسألة مصادفة بلا تدبير . وليست كذلك جزافا بلا غاية . إنما هو الإبتلاء لأظهار المكنون في علم الله من سلوك الأناسي على الأرض ، واستحقاقهم للجزاء على العمل : ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) . . واستقرار هذه الحقيقة في الضمير يدعه أبدا يقظا حذرا متلفتا واعيا للصغيرة والكبيرة في النية المستسرة والعمل الظاهر . ولا يدعه يغفل أو يلهو . كذلك لا يدعه يطمئن أو يستريح . ومن ثم يجيء التعقيب : ( وهو العزيز الغفور )ليسكب الطمأنينة في القلب الذي يرعى الله ويخشاه . فالله عزيز غالب ولكنه غفور مسامح . فإذا استيقظ القلب ، وشعر أنه هنا للإبتلاء والاختبار ، وحذر وتوقى ، فإن له أن يطمئن إلى غفران الله ورحمته وأن يقر عندها ويستريح !

إن الله في الحقيقة التي يصورها الإسلام لتستقر في القلوب ، لا يطارد البشر ، ولا يعنتهم ، ولا يحب أن يعذبهم . إنما يريد لهم أن يتيقظوا لغاية وجودهم ؛ وأن يرتفعوا إلى مستوى حقيقتهم ؛ وأن يحققوا تكريم الله لهم بنفخة روحه في هذا الكيان وتفضيله على كثير من خلقه . فإذا تم لهم هذا فهناك الرحمة السابغة والعون الكبير والسماحة الواسعة والعفو عن كثير .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

1

خلق الموت : أوجده ، أو قدّره أزلا .

ليبلوكم : ليختبركم فيما بين الحياة والموت .

أحسن عملا : أصوبه وأخلصه ، أو أسرع طاعة .

2- الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور .

قدّر سبحانه الموت لكل ميّت ، والحياة لكل حيّ ، وقدّم الموت على الحياة لأنه أبلغ في الرهبة والقدرة ، فهو سبحانه الذي يتوفى الأنفس حين موتها ، ويتوفى أنفس النائمين عند نومها ، وهو سبحانه واهب الحياة ، وخالق الروح في الجسم .

قال العلماء :

ليس الموت فناء وانقطاعا بالكلية عن الحياة ، وإنما هو انتقال من دار إلى دار ، ولهذا ثبت في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أحدكم إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه ، وإنه ليسمع قرع نعالهم ، يأتيه ملكان فيجلسانه ويسألانه . . . )v . الحديث .

وقال صلى الله عليه وسلم عن قتلى المشركين يوم بدر : ( والذي نفسي محمد ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنّكم لا يجيبون )vi .

فالموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ، ومفارقتها للجسم .

ليبلوكم أيّكم أحسن عملا . . .

خلق الله آدم بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسكنه فسيح الجنة ، وأسجد له الملائكة ، وأنزله إلى الأرض واستعمره فيها ، وأنزل الكتب وأرسل الرسل ، ومنح الإنسان العقل والإرادة والاختيار ، ليظهر التفاضل بين الناس ، ويرى سبحانه المحسن من المسيء ، ومن يستحق الثواب ومن يستحق العقاب .

فهو سبحانه عادل عدلا مطلقا ، ومن هذه العدالة إعطاء الإنسان الفرصة كاملة للحياة في هذه الدنيا ، ومعه إمكانيات الطاعة والمعصية ، فمن اختار الطاعة كان أهلا للجنة ، ومن اختار المعصية كان أهلا للنار ، فمن دخل النار فلا يلومن إلا نفسه ، لأنه هو الذي آثر الهوى واتّباع الشيطان على الاستقامة واتّباع هدى الرحمان .

قال الله تعالى : فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا* فإن الجحيم هي المأوى* وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى . ( النازعات : 37 -41 ) .

وهو سبحانه العزيز . الغالب في انتقامه ممن عصاه . الغفور . لمن تاب إليه .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

ليبلوكم : ليختبركم .

ثم أخبر بأنه خلَقَ الموتَ والحياة لغايةٍ أرادها ، هي أن يختبركم أيُّكم أصحُّ عملاً ، وأخلصُ نيةً ، وهو ذو العزةِ الغالبُ الذي لا يُعجزه شيء ، الغفورُ لمن أذنبَ ثم تاب ، فبابُ التوبة عنده مفتوح دائماً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

وخلق الموت والحياة أي : قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم ؛ { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } أي : أخلصه وأصوبه ، فإن{[1173]}  الله خلق عباده ، وأخرجهم لهذه الدار ، وأخبرهم أنهم سينقلون منها ، وأمرهم ونهاهم ، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره ، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل ، أحسن الله له الجزاء في الدارين ، ومن مال مع شهوات النفس ، ونبذ أمر الله ، فله شر الجزاء .

{ وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي له العزة كلها ، التي قهر بها جميع الأشياء ، وانقادت له المخلوقات .

{ الْغَفُورُ } عن المسيئين والمقصرين والمذنبين ، خصوصًا إذا تابوا وأنابوا ، فإنه يغفر ذنوبهم ، ولو بلغت عنان السماء ، ويستر عيوبهم ، ولو كانت ملء الدنيا .


[1173]:- في ب: وذلك أن.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

قوله : { الذي خلق الموت والحياة } وهاتان ظاهرتان كونيتان عظميان في غاية العجب . وهما ظاهرتا الموت وما يعنيه من حقائق مثيرة من الركود والجمود والهمود . ثم ظاهرة الحياة وما تعنيه من الحركة والسعي والجد وغير ذلك من وجوه النشاط والكد والنصب والتصرف . لقد خلق الله هاتين الظاهرتين { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } ذلك قدر الله في خلقه . وهو سبحانه لا يسأل عما يفعل . فقد خلق الناس للامتحان والمساءلة ليستبين أيهم خير عملا { وهو العزيز الغفور } الله القوي الغالب ، المنيع الجناب ، الذي لا يغالب ، وهو سبحانه يغفر الذنب لمن تاب إليه وأناب .